وكان مفوّها حسن البديهة شاعرا حاضر الحجّة علّامة عارفا بالمواليد والوفاة وأيّام الناس. وكان غزير الحفظ، لا يملّه جليسه من حسن حديثه، وكان كريما. وكان كلّما كثّر عليه جليسه كثر إقباله عليه.
توفّي في سنة سبع وستّين وثلاثمائة، وصلّى عليه أبو إسماعيل الرسّيّ. وزاد الأنماطي (?) وابن عساكر في تاريخه: يوم الثلاثاء سلخ ذي الحجّة [سنة 367]. وقال العتقيّ: توفّي ليلة الثلاثاء لليلتين بقيتا من ذي القعدة سنة سبع وستّين وثلاثمائة، وهذا هو الصحيح. قال ابن زولاق (?):
وسنّه ثمان وثمانون سنة.
قال الحافظ عبد الغني: ولي [قضاء] مصر سنة ثمان وأربعين وثلاثمائة، فأقام على القضاء ثماني عشرة سنة. سمعت الوزير أبا الفرج يعقوب بن يوسف- يعني ابن كلّس- يقول: قال لي الأستاذ كافور: اجتمع بالقاضي أبي الطاهر فاقرأ عليه منّي السلام وقل له: بلغني أنّك تنبسط مع جلسائك، وهذا الانبساط يقلّ هيبة الحكم. فلقيت القاضي أبا الطاهر فأعلمته بذلك، فقال: اقرأ عليه السلام وقل له: لست ذا مال أفيض به على جلسائي، فلا
يكون أقلّ من خلقي.
فأخبرت الأستاذ بمقالته، فقال لي: لا تعاوده، فقد وضع القصعة. (قال): فحدّثت القاضي مالك بن سعيد بهذا فقال لي: فكان الأستاذ يملأ القصعة (?).
وممّا استحسن من القاضي أبي الطاهر أنّه لمّا [79 أ] تلقّى المعزّ لدين الله بالإسكندريّة وجلس عنده، سأله المعزّ عن أشياء، منها أنّه قال: يا قاضي كم رأيت خليفة؟
فقال: واحدا.
فقال له: من هو؟
قال: أنت، والباقون ملوك.
فأعجب بذلك. وقال غيره: كان هذا القول لسبع عشرة خلت من شهر رمضان سنة اثنتين وستّين وثلاثمائة. فاستحسن المعزّ ذلك من قوله على البديهة مع علم المعزّ أنّ أبا طاهر قد رأى من بني العبّاس ثمانية: المعتضد، والمكتفي، والمقتدر، والقاهر، والراضي، والمتّقي، والمستكفي والمطيع (?).
قال الحافظ عبد الغنيّ: وكان فيما سأل المعزّ