يا أيّها الفارس ادن لا ترع ... أنا أبو مرّ وهذا ذو كلع
مسوّد بالشام ما شاء صنع ... بلّغ عنّي أشيتر النخع
والأشعث الغيث إذا الماء منع ... قد أكثروا العذر لديكم لو نفع
وأجابه الأشتر:
يا حوشب الجلف ويا شيخ كلع ... أيّكما أراد الأشتر النخع
ها أنا ذا وقد يهولك الفزع ... في حومة وسط قتار قد سطع
ثمّ تلاقي بطلا غير جزع ... سائل بنا طلح وأصحاب البدع
وسل بنا ذاك البعير المضطجع ... كيف رأوا وقع الليوث في النقع
كذاك يلقى من إمامه خلع ... وخالف الحقّ بدين مبتدع
فلمّا كانت حروب صفّين كان أكثر أصحاب عليّ رضي الله عنه خروجا لقتال أهل الشام، الأشتر: خرج يقاتل في رجال من القرّاء وفرسان العرب، فخرج رجل قلّما رؤي أطول ولا أعظم منه، فدعا إلى المبارزة فلم يخرج إليه أحد. وخرج إليه الأشتر فاختلفا ضربتين وضربه الأشتر فقتله فنادى مناد من أصحابه:
يا سهم ابن أبي العيزار ... يا خير من نعلمه من زار (?)
وجاء رجل من الأزد فقال: أقسم بالله لأقتلنّ قاتلك! فحمل على الأشتر فضربه الأشتر فإذا هو بين يدي فرسه فحمل أصحابه فاستنقذوه جريحا. فقال أبو رفيقة الفهميّ:
كان هذا نارا ... فصادفت إعصارا
ثمّ استعمله عليّ [28 ب] رضي الله عنه في صفّين على مذحج، وقيل: بعثه عليّ على خيل أهل الكوفة، فخرج الأشتر يوم الأربعاء أوّل صفر سنة سبع وثلاثين، وهو أوّل أيّام صفّين، على خيل أهل الكوفة، وعلى أهل الشام حبيب بن مسلمة فاقتتلوا قتالا شديدا جلّ النهار، ثمّ تراجعوا وقد انتصف بعضهم من بعض.
وخطب (?) في بعض أيّام صفّين الناس، وكان جهير الصوت، فقال: الحمد لله الذي خلق وَالسَّماواتِ الْعُلى * الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى * لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما وَما تَحْتَ الثَّرى [طه: 5 - 6] أحمده على حسن البلاء، وتظاهر النعماء، حمدا كثيرا، بكرة وأصيلا، من يهده الله فقد اهتدى، ومن يضلل الله فقد غوى. أشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمّدا عبده ورسوله، أرسله بالصواب والهدى ليظهره على الدين كلّه ولو كره المشركون صلّى الله عليه وسلم. وقد كان ممّا قضى الله أن ساقتنا المقادير إلى هذه البلدة من الأرض، ولفّت بيننا وبين عدوّنا. فنحن بحمد الله ونعمته ومنّه وفضله قريرة أعيننا، نرجو في قتالهم حسن الثواب، والأمن من العقاب، معنا ابن عمّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وسيف من سيوف الله: عليّ بن أبي طالب، صلّى مع رسول الله، لم يسبقه بالصلاة ذكر حتّى كان شيخا، لم يكن له صبوة ولا نبوة ولا سقطة، فقيه في دين الله، عالم بحدود الله، ذو رأي أصيل وصبر جميل وعفاف قديم. فاتّقوا الله، وعليكم بالحزم والجدّ، واعلموا أنّكم على الحقّ