فقال: الله أكبر! يا غلمان، نعل أبي محمّد!
[(قال)] وكنت (?) أمشي يوما مع المأمون في بستان موسى في ميدان البستان، والشمس عليّ وهو في الظلّ، فلمّا رجعنا قال لي: «كن الآن أنت في الظلّ! » فأبيت عليه فقال: أوّل العدل أن يعدل الملك في بطانته، ثم الذين يلونهم حتى يبلغ إلى الطبقة السّفلى.
*** وقال المأمون (?): الملوك لا تحتمل ثلاثة أشياء: إفشاء السرّ، والتعرّض للحرمة، والقدح في الملك.
وقال يحيى بن خالد البرمكي: قال لي المأمون: يا يحيى، اغتنم قضاء حوائج الناس، فإنّ الملك أدور، والدهر أجور من أن يترك لأ [حد] حالا أو يبقي لأحد نعمة.
*** وقال المأمون: غلبة الحجّة أحبّ إليّ من غلبة القدرة، لأنّ غلبة القدرة تزول بزوالها، وغلبة الحجّة لا يزيلها شيء.
وقال لأبي حفص عمر (?) بن الأزرق الكرماني:
أريدك للوزارة.
قال: لا أصلح لها يا أمير المؤمنين.
قال: ترفع نفسك عن الوزارة؟
قال: ومن يرفع نفسه عن الوزارة؟ ولكنّي قلت هذا رافعا لها واضعا لنفسي عنها (?).
فقال المأمون: إنّا نعرف موضع الكفاة الثقات
المتقدّمين من الرجال، ولكنّ دولتنا منكوسة، إن قوّمناها بالراجحين انتقضت، وإنّ أيّدناها بالناقصين استقامت، ولذلك اخترت استعمال الصواب فيك.
*** وقال المبرّد: أنشد المأمون بيت أبي العتاهية [الوافر]:
تعالى الله يا سلم بن عمرو ... أذلّ الحرص أعناق الرجال
فقال: الحرص مفسد للدين والمروءة. والله ما عرفت من أحد قطّ حرصا أو شرها فرأيت فيه مصطنعا!
وقال: من لم يحمدك على حسن النيّة لم يشكرك على جميل الفعل.
وقال: ما أقبح اللجاجة [134 ب] بالسلطان! وأقبح من ذلك الضجر من القضاة قبل التفهّم، وأقبح منه سخافة الفقهاء بالدين، وأقبح منه البخل بالأغنياء. والمزاح بالشيوخ، والكسل بالشباب، والجبن بالمقاتل.
*** وقال: أظلم الناس لنفسه من عمل بثلاث: من يتقرّب إلى من يبعده. ويتواضع لمن لا يكرمه، ويقبل مدح من لا يعرفه.
وقال مخارق: أنشدت المأمون قول أبي العتاهية [الطويل]:
وإنّي لمحتاج إلى ظلّ صاحب ... يرقّ ويصفو إن كدرت عليه
قال: «أعد! » فأعدت سبع مرّات. فقال: يا مخارق، خذ منّي الخلافة. وأعطني هذا الصاحب! لله درّ أبي العتاهية، ما أحسن ما قال!
***