فقال: قال شريح [الطويل]:
تهون على الدنيا الملامة، إنّه ... حريص على استصلاحها من يلومها
فقلت: أحسن يا أمير المؤمنين.
فقال: أحسن منهما [ما] سمعته أنا: كنت أسير في موكبي، فألجأني الزحام إلى دكّان عليه رجل عليه أسمال. فنظر إليّ نظر من رحمني أو تعجّب ممّا أنا فيه فقال [الطويل]:
أرى كلّ مغرور تمنّيه نفسه ... إذا ما مضى عام، سلامة قابل
وقال الزبير بن بكّار: حدثني النضر بن شميل قال: دخلت على المأمون بمرو، وعليّ أطمار مترعبلة (?)، فقال لي: يا نضر، أتدخل على أمير المؤمنين في مثل هذه الثياب؟
فقلت: يا أمير المؤمنين، إنّ حرّ مرو لا يدفع إلّا بمثل هذه الأخلاق. (?)
قال: «لا! ولكنّك تتقشّف! » فتجارينا الحديث، فقال المأمون: حدثني هشيم بن بشر عن مجالد عن الشعبيّ عن ابن عبّاس قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: إذا تزوّج الرجل المرأة لدينها وجمالها، كان فيه سداد من عوز.
قلت: صدق قول أمير المؤمنين عن هشيم.
حدّثني عوف الأعرابيّ عن الحسن أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: إذا تزوّج الرجل المرأة لدينها وجمالها كان فيه سداد من عوز.
وكان المأمون متكئا. فجلس وقال: السّداد لحن يا نضر؟
قلت: نعم ههنا. وإنما لحن هشيم، وكان لحّانا.
فقال: ما الفرق بينهما؟
قلت السداد- بفتح السين- القصد في السبيل.
والسدّاد- بكسر السين- البلغة. وكلّ ما سددت به شيئا فهو سداد.
قال: أفتعرف العرب ذلك؟
قلت: نعم. هذا العرجيّ من ولد عثمان بن عفّان رضي الله عنه يقول [الوافر]:
أضاعوني وأيّ فتى أضاعوا ... ليوم كريهة وسداد ثغر
بكسر السين.
فأطرق المأمون مليّا، ثم قال: قبّح الله من لا أدب له!
ثم قال: أنشدني يا نضر أخلب بيت للعرب.
قلت: قول [حمزة] ابن بيض في الحكم بن مروان [المنسرح]:
تقول لي، والعيون هاجعة ... أقم علينا يوما فلم أقم
أيّ الوجوه انتجعت قلت لها ... لأيّ وجه، إلّا إلى الحكم
متى يقل حاجبا سرادقه: ... هذا ابن بيض بالباب، يبتسم
قد كنت أسلمت فيك مقتبلا ... هيهات! إذ حلّ اعطني سلمي (1*)
فقال المأمون: لله درّك! فكأنّما شقّ لك عن قلبي! انشدني أنصف بيت قالته العرب.
قلت: قول ابن أبي عروبة المدني يا أمير المؤمنين [129 ب] [الكامل]: