وقال الحرمازيّ (?): استشار المنصور إسحاق ابن مسلم العقيليّ أو سلم بن قتيبة في أمر أبي مسلم فقال: لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتا [الأنبياء: 22].
وقال سلّام الأبرش (?): أرق المنصور ذات ليلة فقال للربيع: من في الدار من الصحابة فأدخله، إلا أن يكون عبد الله بن عيّاش فإنّه سائل ملحف!
فنظر فلم يجد في الدار غيره، فقال: «أدخله! » وتقدّم إليه في ترك مسألت [هـ] شيئا. فضمن له أن لا يسأل ليلته شيئا. فلمّا دخل أقبل يحدّث بأمر السواد وفتوحه، وما كان يرتفع من جبايته. ثم قال: فطول السواد يا أمير المؤمنين كذا، وعرضه كذا، والله ما لعبدك منه شبر في شبر!
فضحك المنصور وقال: قد أقطعتك غلّة ثلاثين ألف درهم من حيث تختار من السواد.
وقال الربيع: جلس المنصور يوما بالنجف بالكوفة يشرف على الخورنق وظهر الكوفة، فقال: يا ربيع، ابغني رجلا يحدّثني!
فقلت: يا أمير المؤمنين، بالباب عبد الله بن الربيع بن الحارث وأنت تحبّ حديثه.
فقال: نعم، لولا كثرة سؤاله الحوائج.
فقلت: أنا أقطع عنك حوائجه في هذا اليوم.
فخرجت إليه فاشتريت منه مسألته الحوائج بمائتي دينار. فلمّا دخل ورأى طيب نفس المنصور جعل يعرّض بالسخاء وينشد شعر حاتم الطائيّ.
فقال: يا ربيع، لا تف له فإنّه لم يف لك! كفى بالتعريض مسألة!
وقال: أنشدني قول كثيّر: «إذا المال لم يوجب عليك ... » فأنشده [الطويل]:
إذا المال لم يوجب عليك عطاءه ... صنيعة تقوى أو صديق تحالفه [96 ب]
منعت وبعض المنع حزم وقوّة ... ولم يفتلذك المال إلّا حقائقه (1*)
فكان عبد الله بن الربيع يقول: خرجت من عند المنصور وأنا أحبّ الناس إليه.
وقال المدائني: دخل المنصور المدينة، فقال للربيع: «ابغني رجلا يسايرني ويحدّثني». فأتاه رجل ظريف كان منقطعا إليه. فقال له المنصور:
من أنت؟ وأين منزلك؟
فقال: ما لي منزل، وإنّي لمغمور النسب لا تبلغني معرفتك.
وحدّثه فاستظرفه وأمر له بخمسة آلاف درهم. فلمّا انصرف قال للربيع: تنجز لي صلتي بأبي أنت وأمّي!
فقال له الربيع: هيهات! احتل لنفسك!
فلمّا ركب المنصور من الغد دعا به فحدّثه ثم أنشده قصيدة الأحوص [الكامل]:
يا بيت عاتكة التي أتغزّل ... حذر العدى، وبه الفؤاد موكّل
حتى انتهى إلى قوله:
وأراك تفعل ما تقول وبعضهم ... مذق الحديث يقول ما لا يفعل
قال المنصور: وأبيك لقد اقتضيت فأحسنت ولطفت. يا ربيع، يعطى جائزته!
وكان عيسى بن روضة- وهي أمّه، وأبوه نجح- عبدا لآل طلحة، فرآه المنصور بالكوفة في حلقة المسجد قبل خلافة السفّاح فقال: لئن ملكنا لنشترينّه، فإنّي لم أر ألسن ولا أظرف منه مع عقل كامل.