[وستّمائة] وقد أبرم منكوتمر مع السلطان أن يخرجه لنيابة طرابلس. فلمّا رسم له بها اعتذر بأنّه لا يصلح للنيابة وخرج إلى كرجي وبيبرس الجاشنكير (?) فأعلمهما الخبر وسألهما السعي له عند السلطان حتّى يعفيه. فما زالا بالسلطان حتّى أعفاه. فشقّ ذلك على منكوتمر وغضب.
واتّفق مع هذا ورود قاصد (?) الأمير فبجق نائب دمشق في السرّ لطغجي يخبره بما وقع من إخراجه عن دمشق والعمل على قبضه وقبض الأمراء المجرّدين إلى غزو سيس. فأطلع بيبرس وسلّار (?) وغيرهما على ذلك، وتواعدوا جميعا على قتل السلطان، واستمالوا الأمراء والمماليك المنصوريّة قلاوون والأشرفيّة حتى تمّ لهم ما أرادوه، ومنكوتمر يلحّ في إخراج طغجي ويبعث إليه يأمره بالمسير، إلى أن كان من قتل السلطان ونائبه الأمير منكوتمر في ليلة الجمعة حادي عشر ربيع الآخر سنة ثمان وتسعين وستّمائة ما ذكر في ترجمتيهما (?).
فجلس طغجي على باب القلّة (?) واستدعى الأمراء في الليل فاتّفقوا على إقامته في نيابة السلطنة إلى أن يحضر الملك الناصر محمد بن قلاوون من الكرك (?).
فلمّا أصبحوا يوم الجمعة جلس طغجي في مرتبة النيابة، والأمراء عن يمينه ويساره. ومدّ السماط السلطانيّ على العادة، ودار الكلام بينهم في الإرسال إلى الملك الناصر ليحضر (1*) فقام كرجي وقال: يا أمراء، أنا الذي قتلت السلطان لاجين وأخذت بثأر أستاذي الملك الأشرف، والملك الناصر صغير ما يصلح، ولا يكون السلطان إلّا هذا- يعني طغجي- وأنا أكون نائبه، ومن خالف فمنّي ومنه.
فسكت الجميع إلّا الأمير كرت الحاجب (2*) فإنّه قال له: يا خوند، الذي فعلته أنت قد علمه الأمراء [9 أ] ومهما رسمت ما ثمّ مخالف.
وانفضّوا. فبعث طغجي إلى التاج عبد الرحمن الطويل مستوفي الدولة (3*) فأحضره وسأله عن إقطاع النيابة وعبرتها (4*)، فذكره له، فقال: هذا كثير، أنا لا أعطي ذلك للنائب.
ورسم أن توفّر منه جملة تستقرّ في الخاصّ.
فلمّا خرج من عنده استدعاه كرجي وسأله عن إقطاع النيابة، فذكره له فاستقلّه، وقال: هذا لا يكفيني ولا أرضى به- وعيّن بلادا زيادة على ما كان لمنكوتمر. فكثر تعجّب التاج الطويل من استعجال كلّ منهما قبل أن ينعقد له ما يريد.
فلمّا كانت ليلة الأحد ثالث عشر ربيع الآخر المذكور، سقط الطائر (5*) بنزول الأمير بدر الدين