المقفي الكبير (صفحة 1059)

المزاح خيرا، وكثيرا ما جرّ شرّا. الغالب بالمزاح واتر، والمغلوب به ثائر. المزاح يجلب الشتم صغيره، والحرب كثيره، وليس بعد الحرب إلّا عفو بعد قدرة.

فقال الحجّاج: حسبك! الموت خير من عفو بعد قدرة.

*** ويروى أنّ الحجّاج جلس لقتل أصحاب عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث، فقام رجل منهم فقال: أصلح الله الأمير، إنّ لي عليك حقّا.

قال: وما حقّك؟

قال: لعنك عبد الرحمن يوما فرددت [334 ب] عليه.

فقال: من يعلم ذلك؟

فقال: أنشد الله رجلا سمع ذلك إلّا شهد به!

فقام رجل من الأسرى فقال: قد كان ذلك أيّها الأمير.

فقال الحجّاج: خلّوا عنه!

ثمّ قال للشاهد: فما منعك أن تنكر كما أنكر؟

فقال: لقديم بغضي إيّاك!

قال: وليخلّ عنه لصدقه (?).

*** وقال الحجّاج لرجل من الخوارج: والله إنّي لأبغضكم.

فقال الخارجيّ: أدخل الله أشدّنا بغضا لصاحبه الجنّة!

*** وكان الحجّاج يستثقل زياد بن عمرو بن الأشرف العتكيّ، فلمّا أثنت الوفود على الحجّاج

عند الوليد بن عبد الملك، والحجّاج حاضر، قال زياد بن عمرو: يا أمير المؤمنين، إنّ الحجّاج سيفك الذي لا ينبو، وسهمك الذي لا يطيش، وخادمك الذي لا تأخذه فيك لومة لائم.

فلم يكن أحد بعد [ذلك] أخفّ على قلب الحجّاج منه (?).

*** وكان يقول: البخل على الطعام أقبح من البرص على الجسد.

*** ولمّا واقف الحجّاج عبد الرحمن بن الأشعث، نادى منادي الحجّاج: من أتاني برأس فيروز [بن] حصين، فله عشرة آلاف درهم (?).

فنصل فيروز من الصفّ، فصاح بالناس: من عرفني فقد اكتفى، ومن لم يعرفني، فأنا فيروز حصين، وقد عرفتم مالي ووفائي. فمن أتاني برأس الحجّاج، فله مائة ألف.

فقال الحجّاج: فو الله لقد تركني أكثر التلفّت، وإنّي لبين خاصّتي.

فأوتي به الحجّاج، فقال: أنت الجاعل في رأس أميرك مائة ألف درهم؟

قال: قد فعلت.

فقال: والله لأمهّدنّك، ثمّ أحملنّك، أين المال؟

فقال: عندي، فهل إلى الحياة من سبيل؟

قال: لا.

قال: أخرجني إلى الناس حتى أجمع لك المال، فلعلّ قلبك يرقّ لي.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015