المزاح خيرا، وكثيرا ما جرّ شرّا. الغالب بالمزاح واتر، والمغلوب به ثائر. المزاح يجلب الشتم صغيره، والحرب كثيره، وليس بعد الحرب إلّا عفو بعد قدرة.
فقال الحجّاج: حسبك! الموت خير من عفو بعد قدرة.
*** ويروى أنّ الحجّاج جلس لقتل أصحاب عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث، فقام رجل منهم فقال: أصلح الله الأمير، إنّ لي عليك حقّا.
قال: وما حقّك؟
قال: لعنك عبد الرحمن يوما فرددت [334 ب] عليه.
فقال: من يعلم ذلك؟
فقال: أنشد الله رجلا سمع ذلك إلّا شهد به!
فقام رجل من الأسرى فقال: قد كان ذلك أيّها الأمير.
فقال الحجّاج: خلّوا عنه!
ثمّ قال للشاهد: فما منعك أن تنكر كما أنكر؟
فقال: لقديم بغضي إيّاك!
قال: وليخلّ عنه لصدقه (?).
*** وقال الحجّاج لرجل من الخوارج: والله إنّي لأبغضكم.
فقال الخارجيّ: أدخل الله أشدّنا بغضا لصاحبه الجنّة!
*** وكان الحجّاج يستثقل زياد بن عمرو بن الأشرف العتكيّ، فلمّا أثنت الوفود على الحجّاج
عند الوليد بن عبد الملك، والحجّاج حاضر، قال زياد بن عمرو: يا أمير المؤمنين، إنّ الحجّاج سيفك الذي لا ينبو، وسهمك الذي لا يطيش، وخادمك الذي لا تأخذه فيك لومة لائم.
فلم يكن أحد بعد [ذلك] أخفّ على قلب الحجّاج منه (?).
*** وكان يقول: البخل على الطعام أقبح من البرص على الجسد.
*** ولمّا واقف الحجّاج عبد الرحمن بن الأشعث، نادى منادي الحجّاج: من أتاني برأس فيروز [بن] حصين، فله عشرة آلاف درهم (?).
فنصل فيروز من الصفّ، فصاح بالناس: من عرفني فقد اكتفى، ومن لم يعرفني، فأنا فيروز حصين، وقد عرفتم مالي ووفائي. فمن أتاني برأس الحجّاج، فله مائة ألف.
فقال الحجّاج: فو الله لقد تركني أكثر التلفّت، وإنّي لبين خاصّتي.
فأوتي به الحجّاج، فقال: أنت الجاعل في رأس أميرك مائة ألف درهم؟
قال: قد فعلت.
فقال: والله لأمهّدنّك، ثمّ أحملنّك، أين المال؟
فقال: عندي، فهل إلى الحياة من سبيل؟
قال: لا.
قال: أخرجني إلى الناس حتى أجمع لك المال، فلعلّ قلبك يرقّ لي.