قَالَ: فَلَمَّا قُلْتُ ذَلِكَ احْتَوَشَتْنِي الرِّجَالُ يَتَعَاوَرُونِي فَأَخَذُوا بِلِحْيَتِي وَتَلْبِيبَتِي وَجَعَلُوا يَجِئُونَ بَطْنِي بِنِعَالِ سُيُوفِهِمْ وَمَضَوْا بِي نَحْوَ الْمَقْصُورَةِ فَمَا وَصَلْتُ إِلَيْهِ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُمْ سَيَقْتُلُونِي دُونَهُ.
قَالَ: فَفُتِحَ لِي بَابُ الْمَقْصُورَةِ.
قَالَ: فَدَخَلْتُ فَقُمْتُ بَيْنَ يَدَيِ الْحَكَمِ وَهُوَ سَاكِتٌ.
فَقَالَ: أَمَجْنُونُ أَنْتَ؟ وَمَا كُنَّا فِي صَلاةٍ؟ فَقُلْتُ: أَصْلَحَ اللَّهُ الأَمِيرَ هَلْ مِنْ كَلامٍ أَفْضَلَ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ؟ قَالَ: لا.
قُلْتُ: أَصْلَحَ اللَّهُ الأَمِيرَ أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ رَجُلا نَشَرَ مُصْحَفًا يَقْرَؤُهُ غُدْوَةً إِلَى اللَّيْلِ أَكَانَ ذَلِكَ قَاضِيًا عَنْهُ صَلاتَهُ؟ قَالَ: وَاللَّهِ إِنِّي لأَحْسَبُكَ مَجْنُونًا.
قَالَ: وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ جَالِسٌ تَحْتَ مِنْبَرِهِ سَاكِتٌ.
فَقُلْتُ: يَا أَنَسُ، يَا أَبَا حَمْزَةَ، أُنْشِدُكَ اللَّهَ فَقَدْ خَدَمْتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَحِبْتَهُ أَبِمَعْرُوفٍ قُلْتُ أَمْ بِمُنْكَرٍ؟ أَبِحَقٍّ قُلْتُ أَمْ بِبَاطِلٍ؟ قَالَ: فَلا وَاللَّهِ مَا أَجَابَنِي بِكَلِمَةٍ.
قَالَ لَهُ الْحَكَمُ بْنُ أَيُّوبَ: يَا أَنَسُ.
قَالَ: لَبَّيْكَ أَصْلَحَكَ اللَّهُ.
قَالَ: وَكَانَ وَقْتُ الصَّلاةِ قَدْ ذَهَبَ؟ قَالَ: كَانَ بَقِيَ مِنَ الشَّمْسِ بَقِيَّةٌ.
فَقَالَ: احْبِسُوهُ.
قَالَ يَزِيدُ: فَأُقْسِمُ لَكَ يَا أَبَا الْحَسَنِ - يَعْنِي لِلْمُعَلَّى - لَمَا لَقِيتُ مِنْ أَصْحَابِي كَانَ أَشَدَّ عَلَيَّ مِنْ مَقَامِي.
قَالَ بَعْضُهُمْ: مِرَاءٌ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَجْنُونٌ.