من يبوسة بهَا تتماسك أعضاؤه خُصُوصا مَا صلب مِنْهَا كالعظام وَلَا بُد من برودة تكسر سُورَة الْحَرَارَة حَتَّى تعتدل وَلَا تحرق وَلَا تحلل الرطوبات الْبَاطِنَة بِسُرْعَة وَهَذِه متعاديات متنازعات
وَقد جمع الله عز وَجل بَين هَذِه المتضادات المتنازعة فِي إهَاب الْإِنْسَان وبدن الْحَيَوَانَات والنبات وَسَائِر المركبات وَلَوْلَا حفظه تَعَالَى إِيَّاهَا لتنافرت وَتَبَاعَدَتْ وَبَطل امتزاجها واضمحل تركيبها وَبَطل الْمَعْنى الَّذِي صَارَت مستعدة لقبوله بالتركيب والمزاج وَحفظ الله تَعَالَى إِيَّاهَا بتعديل قواها مرّة وبإمداد المغلوب مِنْهَا ثَانِيًا
أما التَّعْدِيل فَهُوَ أَن يكون مبلغ قُوَّة الْبَارِد مثل مبلغ قُوَّة الْحَار فَإِذا اجْتمعَا لم يغلب أَحدهمَا الآخر بل يتدافعان إِذْ لَيْسَ أَحدهمَا بِأَن يغلب أولى من أَن يغلب فيتقاومان وَيبقى قوام الْمركب بتقاومهما وتعادلهما وَهُوَ الَّذِي يعبر عَنهُ باعتدال المزاج
وَالثَّانِي إمداد المغلوب مِنْهُمَا بِمَا يُعِيد قوته حَتَّى يُقَاوم الْغَالِب ومثاله أَن الْحَرَارَة تفني الرُّطُوبَة وتجففها لَا محَالة فَإِذا غلبت ضعفت الْبُرُودَة والرطوبة وغلبت الْحَرَارَة واليبوسة وَيكون إمداد الضَّعِيف بالجسم الْبَارِد الرطب وَهُوَ المَاء وَمعنى الْعَطش هُوَ الْحَاجة إِلَى الْبَارِد الرطب فخلق الله تَعَالَى الْبَارِد الرطب مدَدا للبرودة والرطوبة إِذا غلبتا وَخلق الْأَطْعِمَة والأدوية وَسَائِر الْجَوَاهِر المتضادة حَتَّى إِذا غلب شَيْء عورض بضده فانقهر وَهَذَا هُوَ الْإِمْدَاد وَإِنَّمَا تمّ ذَلِك بِخلق الْأَطْعِمَة والأدوية وَخلق الْآلَات الْمصلحَة لَهَا وَخلق الْمعرفَة الهادية إِلَى اسْتِعْمَالهَا وكل ذَلِك لحفظ الله عز وَجل أبدان الْحَيَوَانَات والمركبات من المتضادات
وَهَذِه هِيَ الْأَسْبَاب الَّتِي تحفظ الْإِنْسَان من الْهَلَاك الدَّاخِل وَهُوَ متعرض