مَعْنَاهُ الْعَادِل وَهُوَ الَّذِي يصدر مِنْهُ فعل الْعدْل المضاد للجور وَالظُّلم وَلنْ يعرف الْعَادِل من لم يعرف عدله وَلَا يعرف عدله من لم يعرف فعله فَمن أَرَادَ أَن يفهم هَذَا الْوَصْف فَيَنْبَغِي أَن يُحِيط علما بِأَفْعَال الله تَعَالَى من ملكوت السَّمَوَات إِلَى مُنْتَهى الثرى حَتَّى إِذا لم ير فِي خلق الرَّحْمَن من تفَاوت ثمَّ رَجَعَ الْبَصَر فَمَا رأى من فطور ثمَّ رَجَعَ مرّة أُخْرَى فَانْقَلَبَ إِلَيْهِ الْبَصَر خاسئا وَهُوَ حسير وَقد بهره جمال الحضرة الربوبية وحيره اعتدالها وانتظامها فَعِنْدَ ذَلِك يعبق بفهمه شَيْء من مَعَاني عدله تَعَالَى وتقدس
وَقد خلق أَقسَام الموجودات جسمانيها وروحانيها كاملها وناقصها وَأعْطى كل شَيْء خلقه وَهُوَ بذلك جواد ورتبها فِي موَاضعهَا اللائقة بهَا وَهُوَ بذلك عدل فَمن الْأَجْسَام الْعِظَام فِي الْعَالم الأَرْض وَالْمَاء والهواء وَالسَّمَوَات وَالْكَوَاكِب وَقد خلقهَا ورتبها فَوضع الأَرْض فِي أَسْفَل السافلين وَجعل المَاء فَوْقهَا والهواء فَوق المَاء وَالسَّمَوَات فَوق الْهَوَاء وَلَو عكس هَذَا التَّرْتِيب لبطل النظام
وَلَعَلَّ شرح وَجه اسْتِحْقَاق هَذَا التَّرْتِيب فِي الْعدْل والنظام مِمَّا يصعب على أَكثر الأفهام فلننزل إِلَى دَرَجَة الْعَوام ونقول لينْظر الْإِنْسَان إِلَى بدنه فَإِنَّهُ مركب من أَعْضَاء مُخْتَلفَة كَمَا أَن الْعَالم مركب من أجسام مُخْتَلفَة فَأول اختلافه أَنه رَكبه من الْعظم وَاللَّحم وَالْجَلد وَجعل الْعظم عمادا مستبطنا وَاللَّحم صوانا لَهُ مكتنفا إِيَّاه وَالْجَلد صوانا للحم فَلَو عكس هَذَا التَّرْتِيب وَأظْهر مَا أبطن لبطل النظام
وَإِن خَفِي عَلَيْك هَذَا فقد خلق للْإنْسَان أَعْضَاء مُخْتَلفَة مثل الْيَد وَالرجل وَالْعين وَالْأنف وَالْأُذن فَهُوَ بِخلق هَذِه الْأَعْضَاء جواد وبوضعها موَاضعهَا الْخَاصَّة عدل لِأَنَّهُ وضع الْعين فِي أولى الْمَوَاضِع بهَا من الْبدن إِذْ لَو خلقهَا على الْقَفَا أَو على الرجل أَو على الْيَد أَو على قمة الرَّأْس لم يخف مَا يتَطَرَّق إِلَيْهِ من