يجود لينال حسن الأحدوثة وكل من لم يطْلب عوضا يتَنَاوَل سمي جوادا عِنْد من يظنّ أَن لَا عوض إِلَّا الْأَعْيَان
فَإِن قلت فَالَّذِي يجود بِكُل مَا يملكهُ خَالِصا لوجه الله تَعَالَى من غير توقع حَظّ عَاجل أَو آجل كَيفَ لَا يكون جوادا وَلَا حَظّ لَهُ أصلا فِيهِ
فَنَقُول حَظه هُوَ الله تَعَالَى ورضاؤه ولقاؤه والوصول إِلَيْهِ وَذَلِكَ هُوَ السَّعَادَة الَّتِي يكتسبها الْإِنْسَان بأفعاله الاختيارية وَهُوَ الْحَظ الَّذِي تستحقر سَائِر الحظوظ فِي مُقَابلَته
فَإِن قلت فَمَا معنى قَوْلهم إِن الْعَارِف بِاللَّه تَعَالَى هُوَ الَّذِي يعبد الله عز وَجل خَالِصا لله لَا لحظ وَرَاءه فَإِن كَانَ لَا يَخْلُو فعل العَبْد عَن حَظّ فَمَا الْفرق بَين من يعبد الله تَعَالَى لله خَالِصا وَبَين من يعبده لحظ من الحظوظ فَاعْلَم أَن الْحَظ عبارَة عِنْد الجماهير عَن الْأَغْرَاض أَو الأعواض الْمَشْهُورَة عِنْدهم وَمن تنزه عَنْهَا وَلم يبْق لَهُ مقصد إِلَّا الله تَعَالَى فَيُقَال إِنَّه قد برِئ من الحظوظ أَي عَمَّا يعده النَّاس حظا وَهُوَ كَقَوْلِهِم إِن العَبْد يُرَاعِي سَيّده لَا لسَيِّده وَلَكِن لحظ يَنَالهُ من سَيّده من نعْمَة أَو إكرام وَالسَّيِّد يُرَاعِي عَبده لَا لعَبْدِهِ وَلَكِن لحظ يَنَالهُ مِنْهُ بخدمته وَأما الْوَالِد فَإِنَّهُ يُرَاعِي وَلَده لذاته لَا لحظ يَنَالهُ مِنْهُ بل لَو لم يكن مِنْهُ حَظّ أصلا لَكَانَ معنيا بمراعاته
وَمن طلب شَيْئا لغيره لَا لذاته فَكَأَنَّهُ لم يَطْلُبهُ فَإِنَّهُ لَيْسَ غَايَة طلبه بل غَايَة طلب غَيره كمن يطْلب الذَّهَب فَإِنَّهُ لَا يَطْلُبهُ لذاته بل ليتوصل بِهِ إِلَى الْمطعم والملبس والمطعم والملبس لَا يرادان لذاتهما بل للتوصل بهما إِلَى جلب اللَّذَّة وَدفع الْأَلَم واللذة ترَاد لذاتها لَا لغاية أُخْرَى وَرَاءَهَا وَكَذَا دفع الْأَلَم فَيكون الذَّهَب وَاسِطَة إِلَى الطَّعَام وَالطَّعَام وَاسِطَة إِلَى اللَّذَّة واللذة هِيَ الْغَايَة وَلَيْسَت وَاسِطَة إِلَى غَيرهَا وَكَذَلِكَ الْوَلَد لَيْسَ وَاسِطَة فِي حق الْوَالِد بل مَطْلُوبه سَلامَة الْوَلَد لذات الْوَلَد لِأَن عين الْوَلَد حَظه