أَنا من أَهْوى وَمن أَهْوى أَنا ... نَحن روحان حللنا بدنا
وَذَلِكَ مؤول عِنْد الشَّاعِر فَإِنَّهُ لَا يَعْنِي بِهِ أَنه هُوَ تَحْقِيقا بل كَأَنَّهُ هُوَ فَإِنَّهُ مُسْتَغْرق الْهم بِهِ كَمَا يكون هُوَ مُسْتَغْرق الْهم بِنَفسِهِ فيعبر عَن هَذِه الْحَالة بالاتحاد على سَبِيل التَّجَوُّز
وَعَلِيهِ يَنْبَغِي أَن يحمل قَول أبي يزِيد رَحمَه الله حَيْثُ قَالَ انسلخت من نَفسِي كَمَا تنسلخ الْحَيَّة من جلدهَا فَنَظَرت فَإِذا أَنا هُوَ وَيكون مَعْنَاهُ أَن من يَنْسَلِخ من شهوات نَفسه وهواها وهمها فَلَا يبْقى فِيهِ متسع لغير الله وَلَا يكون لَهُ همة سوى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَإِذا لم يحل فِي الْقلب إِلَّا جلال الله وجماله حَتَّى صَار مُسْتَغْرقا بِهِ يصير كَأَنَّهُ هُوَ لَا أَنه هُوَ تَحْقِيقا وَفرق بَين قَوْلنَا كَأَنَّهُ هُوَ وَبَين قَوْلنَا هُوَ هُوَ لَكِن قد يعبر بقولنَا هُوَ هُوَ عَن قَوْلنَا كَأَنَّهُ هُوَ كَمَا أَن الشَّاعِر تَارَة يَقُول كَأَنِّي من أَهْوى وَتارَة يَقُول أَنا من أَهْوى وَهَذِه مزلة قدم فَإِن من لَيْسَ لَهُ قدم راسخ فِي المعقولات رُبمَا لم يتَمَيَّز لَهُ أَحدهمَا عَن الآخر فَينْظر إِلَى كَمَال ذَاته وَقد تزين بِمَا تلألأ فِيهِ من حلية الْحق فيظن أَنه هُوَ فَيَقُول أَنا الْحق
وَهُوَ غالط غلط النَّصَارَى حَيْثُ رَأَوْا ذَلِك فِي ذَات الْمَسِيح عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام فَقَالُوا هُوَ الْإِلَه بل هُوَ غلط من ينظر إِلَى مرْآة قد انطبع فِيهَا صُورَة متلونة بتلونه فيظن أَن تِلْكَ الصُّورَة هِيَ صُورَة الْمرْآة وَأَن ذَلِك اللَّوْن لون الْمرْآة وهيهات بل الْمرْآة فِي ذَاتهَا لَا لون لَهَا وشأنها قبُول صور الألوان على وَجه يتخايل إِلَى الناظرين إِلَى ظَاهر الْأُمُور أَن ذَلِك صُورَة الْمرْآة حَتَّى إِن الصَّبِي إِذا رأى إنْسَانا فِي الْمرْآة ظن أَن الْإِنْسَان فِي الْمرْآة فَكَذَلِك الْقلب خَال عَن الصُّور فِي نَفسه وَعَن الهيئات وَإِنَّمَا هيآته قبُول مَعَاني الهيئات والصور والحقائق فَمَا يحله يكون كالمتحد بِهِ لَا أَنه مُتحد بِهِ تَحْقِيقا وَمن لَا يعرف