فحياته بِقدر إِدْرَاكه وَفعله وكل ذَلِك مَحْصُور فِي قلَّة ثمَّ إِن الْأَحْيَاء يتفاوتون فِيهِ فمراتبهم بِقدر تفاوتهم كَمَا سبقت الْإِشَارَة إِلَيْهِ فِي مَرَاتِب الْمَلَائِكَة وَالْإِنْس والبهائم
اعْلَم أَن الْأَشْيَاء تَنْقَسِم إِلَى مَا يفْتَقر إِلَى مَحل كالأغراض والأوصاف فَيُقَال فِيهَا إِنَّهَا لَيست قَائِمَة بأنفسها وَإِلَى مَا يحْتَاج إِلَى مَحل فَيُقَال إِنَّه قَائِم بِنَفسِهِ كالجواهر إِلَّا أَن الْجَوْهَر وَإِن قَامَ بِنَفسِهِ مستغنيا عَن مَحل يقوم بِهِ فَلَيْسَ مستغنيا عَن أُمُور لَا بُد مِنْهَا لوُجُوده وَتَكون شرطا فِي وجوده فَلَا يكون قَائِما بِنَفسِهِ لِأَنَّهُ يحْتَاج فِي قوامه إِلَى وجود غَيره وَإِن لم يحْتَج إِلَى مَحل
فَإِن كَانَ فِي الْوُجُود مَوْجُود يَكْفِي ذَاته بِذَاتِهِ وَلَا قوام لَهُ بِغَيْرِهِ وَلَا يشْتَرط فِي دوَام وجوده وجود غَيره فَهُوَ الْقَائِم بِنَفسِهِ مُطلقًا فَإِن كَانَ مَعَ ذَلِك يقوم بِهِ كل مَوْجُود حَتَّى لَا يتَصَوَّر للأشياء وجود وَلَا دوَام وجود إِلَّا بِهِ فَهُوَ القيوم لِأَن قوامه بِذَاتِهِ وقوام كل شَيْء بِهِ وَلَيْسَ ذَلِك إِلَّا الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى
ومدخل العَبْد فِي هَذَا الْوَصْف بِقدر استغنائه عَمَّا سوى الله تَعَالَى
هُوَ الَّذِي لَا يعوزه شَيْء وَهُوَ فِي مُقَابلَة الفاقد وَلَعَلَّ من فَاتَهُ مَا لَا حَاجَة بِهِ إِلَى وجوده لَا يُسمى فاقدا وَالَّذِي يحضرهُ مَا لَا تعلق لَهُ بِذَاتِهِ وَلَا بِكَمَال ذَاته لَا يُسمى واجدا بل الْوَاجِد من لَا يعوزه شَيْء مِمَّا لَا بُد مِنْهُ وكل مَا لَا بُد مِنْهُ فِي صِفَات الإلهية وكمالها فَهُوَ مَوْجُود لله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فَهُوَ بِهَذَا