فصل

والحمالة على مذهب مالك تجوز عن الحي والميت. غير أنه إن تحمل عن الحي فأدى عنه، كان له الرجوع عليه بما أدى عنه، واتباعه به إن كان معدما- كان تحمل عنه بإذنه أو بغير إذنه؛ وإن كان تحمل عن ميت لا وفاء له بما تحمل به عنه، لم يكن له أن يرجع بما أدى عنه في مال- إن طرأ له، خلافا لأبي حنيفة في قوله: إن من تحمل عن رجل بغير أمره، لم يكن له أن يرجع عليه بما أدى عنه، وأن الحمالة عن الميت- إذا لم يترك وفاء لا تجوز؛ لأن الدين قد توى بذهاب الذمة، والكفالة بالتاوي كفالة بما قد بطل، فلا معنى لها، والحجة لمالك في أن الحمالة عن الميت وإن لم يترك وفاء جائزة، وأن الكفيل لا رجوع له في مال- إن طرأ للميت: ما «روى جابر بن عبد الله أن رجلا مات وعليه دين فلم يصل عليه النبي- عَلَيْهِ السَّلَامُ - حتى قال أبو اليسر أو غيره: هو إلي فصل عليه، فجاءه من الغد فتقاضاه فقال: إنما كان أمس، ثم أتاه من بعد الغد، فأعطاه فقال: الآن بردت عليه جلده».

فلو لم تكن الحمالة بما عليه جائزة، لما صلى عليه النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ولو كان الدين قد تحول إلى الذي أداه عنه- ولم يسقط عن الذي كان عليه، لما برد جلده بالأداء عنه؛ لبقاء الدين عليه، وهذا بين وقد احتج الطحاوي لأبي حنيفة بهذا الحديث فيمن قضى دينا عن رجل بغير أمره، أنه لا رجوع له به عليه، ومالك أسعده الحديث؛ لأنه استعمله في موضعه ولم يعده إلى الحي.

وفيه أيضا حجة له على أبي حنيفة في أن الكفالة لازمة للكفيل بغير قبول المكفول له، ودليل على جواز الكفالة بغير إذن المكفول عنه، ووجوب أخذ المكفول له بها- الكفيل، وأن ذمة المكفول عنه لا تبرأ بوجوب الكفالة على الكفيل حتى يودي عنه؛ لقول رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: الآن بردت عليه جلده. قال الطحاوي فإذا كانت الحمالة لازمة للحميل،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015