لها. وقالوا فلأن قوله: {فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} [البقرة: 283]، لا يخلو أن يكون خبرا، أو أمرا، فإن كان خبرا، كان شرطا فيه لامتناع أن يقع الخبر بخلاف مخبره؛ وإن كان أمرا، فهو على وجوبه؛ والدليل على صحة قولنا، قول الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1]. والعقد قد حصل؛ لأنه الإيجاب والقبول- وذلك موجود، وأيضا فإنه قال: {فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} [البقرة: 283]، فجعل القبض من صفاتها فدل ذلك على أنها تكون رهنا قبل القبض؛ لأن وصف الشيء بصفة، يجب أن يكون معنى زائدا على وجوده ولا ناقد، اتفقنا على أنه إذا أقبضه الرهن، فإنه يصح ويلزم وليس يخلو أن يكون القول الأول الذي تلاه القبض قد انعقد به الرهن أو لم ينعقد، فإن كان قد انعقد به، فذلك ما قلناه؛ لأنه إنما أقبضه ما ثبت رهنا، - فيجب أن يكون كونه رهنا سابقا للإقباض؛ وإن كان لم ينعقد به لم يجز أن يصير رهنا بهذا القبض؛ لأن مجرد القبض لا يجعل المقبوض رهنا، ففي اتفاقنا على لزومه بالقبض دليل بين على انعقاده بالقول.

فصل

واختلف إذا جعل الرهن على يدي عدل، فقالت طائفة ليس بمقبوض، والذي ذهب إليه مالك أنه مقبوض، فيكون بذلك شاهدا له، ويكون أحق به من الغرماء. حكى هذا عن مالك إسماعيل القاضي في الأحكام، وقاله ابن المواز - وهو ظاهر الروايات في المدونة وغيرها؛ وقال أصبغ في سماع يحيى من كتاب الرهون أنه لا يكون له شاهدا إذا كان على يدي عدل، وهو ظاهر قول مالك في موطئه.

فصل

ولما جعل الله- عز وجل- الرهن بدلا من الكتاب والإشهاد في التوثقة عند عدم الكاتب، فقال: {وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} [البقرة: 283]،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015