ولذلك وجب على من باع سلعة لغيره الإشهاد على البيع، فإن لم يفعل ضمن؛ لأن رب السلعة لم يرض بائتمانه؛ وكذلك كل ما فيه حق لغائب، الإشهاد فيه واجب. قال الله- عز وجل- في الزانيين {وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [النور: 2]. فأمر بالإشهاد لما يتعلق بذلك من حق غيره، ومن ذلك اللعان لا يكون إلا بمحضر جماعة من الناس، لانقطاع نسب الولد وغير ذلك من الأحكام.
وكذلك الإشهاد على عقد النكاح ليس بواجب على مذهب مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - وإنما يجب الإشهاد عند الدخول لنفي التهمة والظنة عن نفسه، ومعنى قول رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا نكاح إلا بولي وصداق وشاهدي عدل». أي لا يكون وطء النكاح إلا باجتماع هذه الأشياء؛ لأن النكاح حقيقة إنما يقع على الوطء، وإنما سمي العقد نكاحا؛ لأن النكاح الذي هو الوطء يكون به؛ فسمي باسم ما قرب منه؛ ولا يصح أن يحمل الحديث على العقد؛ لأنه قد ذكر فيه الصداق وذلك ما لا يفتقر إليه العقد بإجماع؛ لأن القرآن قد جوز نكاح التفويض.
فصل
وأما الإشهاد في الرجعة فاختلف فيه في المذهب، حكى ابن القصار في كتابه أن الإشهاد على الرجعة مستحب وليس بواجب، وحكى إسماعيل القاضي عن مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن الإشهاد على الرجعة واجب؛ لرفع الدعاوى وتحصين الفروج والأنساب، وحكى عبد الحق عن بعض شيوخه القرويين أن الإشهاد على الرجعة واجب بخلاف الطلاق والبيع، وذكر الفرق في ذلك بين الرجعة والبيع أن الله قد قال في البيع: {فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ} [البقرة: 283] فدل