عبد الله بن قيس؛ سلام عليك، أما بعد فإن القضاء فريضة محكمة وسنة متبعة، فافهم إذا أدلي إليك، وانفذ إذا قضيت، فإنه لا ينفع تكلم بحق لا نفاذ له، آس بين الناس في وجهك وعدلك ومجلسك حتى لا يطمع شريف في حيفك ولا ييأس ضعيف من عدلك، البينة على من ادعى واليمين على من أنكر، والصلح جائز بين المسلمين إلا صلحا أحل حراما أو حرم حلالا؛ لا يمنعك قضاء قضيته اليوم فراجعت فيه عقلك وهديت فيه لرشدك أن ترجع إلى الحق، فإن الحق قديم، ومراجعة الحق خير من التمادي في الباطل، الفهم الفهم فيما تلجلج في صدرك مما ليس في كتاب ولا سنة، ثم اعرف الأشباه والأمثال فقس الأمور عند ذلك، واعمد إلى أقربها إلى الله وأشبهها بالحق، واجعل لمن ادعى حقا غائبا أو بينة- أمرا ينتهي إليه، فإن أحضر بينة، أخذت له بحقه، وإلا استحللت عليه القضية؛ فإنه أنفى للشك وأجلى للعمى؛ المسلمون عدول بعضهم على بعض إلا مجلودا في حد، أو مجربا عليه شهادة زور، أو ظنينا في ولاء أو نسب، فإن الله تولى منكم السرائر ودرأ بالبينات والأيمان، وإياك والقلق والضجر والتأذي بالخصوم، والتنكر عند الخصومات، فإن الحق في مواطن الحق يعظم الله به الأجر ويحسن عليه الذخر، فمن صحت نيته وأقبل على نفسه، كفاه الله ما بينه وبين الناس، ومن تخلق للناس بما يعلم الله أنه ليس من نفسه، شانه الله، فما ظنك بثواب الله في عاجل رزقه، وخزائن رحمته- والسلام ".