فإذا تضمن الله حفظ الجماعة، لم يجز عليها الغلط والسهو، فإن لم يجد في النازلة إجماعا، قضى فيها بما يؤديه النظر والاجتهاد في القياس على الأصول بعد مشورة أهل العلم، فإن اجتمعوا على شيء، أخذ به، وإن اختلفوا نظر إلى أحسن أقوالهم عنده، وإن رأى خلاف رأيهم قضى بما رأى، إذا كان نظيرا لهم، وإن لم يكن من نظرائهم، فليس له ذلك، قاله ابن حبيب، وهو قول فيه اعتراض.

والصحيح أنه إذا كان من أهل الاجتهاد، فله أن يقضي بما رأى، وإن كانوا أعلم منه؛ لأن التقليد لا يصح للمجتهد فيما يرى خلافه بإجماع، وإنما يصح له التقليد على مذهب من يرى التقليد ويقول به ما لم يتبين له في النازلة حكم، فإنما الخلاف هل للمجتهد أن يترك النظر والاجتهاد، ويقلد من قد نظر واجتهد أم لا على ثلاثة أقوال:

أحدها: أن ذلك له.

والثاني: أن ذلك ليس له.

والثالث: أن ذلك ليس له إلا أن يخاف فوات النازلة، وأما إن لم يكن من أهل الاجتهاد ففرضه المشورة والتقليد، فإن اختلف عليه العلماء، قضى بقول أعلمهم، وقيل بقول أكثرهم على ما وقع في المدونة في الحكاية عن الفقهاء السبعة، والأول أصح. وقيل: إن له أن يحكم بقول من شاء منهم، إذا تحرى الصواب بذلك ولم يقصد الهوى، وله أن يكتفي بمشورة واحد من العلماء، فإن فعل ذلك فالاختيار أن يشاور أعلمهم، فإن شاور من دونه في العلم وأخذ بقوله، فذلك جائز إذا كان المشاور أهل النظر والاجتهاد.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015