فهي أن يكون سميعا بصيرا متكلما عدلا؛ فهذه الأربع خصال لا يجوز أن يولى القضاء إلا من اجتمعت فيه؛ فإن ولي من لم تجتمع فيه، وجب أن يعزل متى عثر عليه، ويكون ما مضى من أحكامه جائزة إلا الفاسق الذي ليس بعدل، فاختلف فيما مضى من أحكامه، فقيل: إنها جائزة وهو قول أصبغ، وقيل: إنها مردودة، وهو المشهور في المذهب؛ فعلى هذا القول العدالة مشترطة في صحة الولاية كالإسلام والحرية والبلوغ والعقل والذكورة، على مذهبنا والتوحد.
وأما الخصال المستحبة فكثيرة، منها أن يكون من أهل البلد، ورعا، عالما، يسوغ له الاجتهاد غنيا ليس بمحتاج ولا مديان، معروف النسب ليس بابن لعان ولا ولد زنا، جزلا نافذا، فطنا غير مخدوع لغفلة، ولا محدود في زنا ولا قذف، ولا مقطوع في سرقة، وروي عن عمر بن عبد العزيز منها خمس خصال، وهي: أن يكون عالما بالفقه والسنة، ذا نزاهة عن الطمع، مستخفا بالأئمة. يريد أنه يدير الحق على من دار عليه ولا يبالي بمن لامه على ذلك، وقيل: باللائمة يريد أنه يقضي بالحق ولا يهابهم فيه، والأول آمن، حليما عن الخصم، مستشيرا لأولي العلم.
وروي عن عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه قال: لا يصلح أن يلي القضاء إلا من كان حصيف العقل، شديدا في غير عنف، لينا في غير ضعف، قليل الغرة، بعيد الهيبة، لا يطلع الناس منه على عورة؛ ومن الخصال المستحبة على ما يوجبه مذهبنا: ألا يكون أميا، وليس لأصحابنا في ذلك نص، ولأصحاب الشافعي في ذلك وجهان، أحدهما: المنع، والآخر: الجواز، والأظهر عنده الجواز؛ لأن إمام المسلمين وسيد المرسلين وأفضل الحاكمين كان أميا، ومن طريق المعنى أنه لا يلزمه قراءة العقود ويجوز أن ينوب عنه في ذلك وفي تقييد المقالات غيره، وأن للمنع من ذلك وجها، لما فيه من تضييق وجوه الحكم، والنبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ليس كغيره؛ لأنه معصوم؛ فهذه الخصال المستحبة ينبغي توخيها وبعضها آكد من بعض، فيقدم الذي يجتمع فيه منها آكرها، وقد قال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا أرى