وسطا نفيت به الاعتراض عن ابن القاسم والاختلاف بينه وبين ابن حبيب، وحمل الروايات على الاتفاق ما أمكن، أولى من حملها على الخلاف. لا سيما إذا كان في حملها على ظاهرها من الخلاف اعتراض على أحد القولين، كمسألتنا هذه.
وأما من حمل قول ابن حبيب على ظاهره في أن القول قول البائع بلا يمين إذا نكلا عن اليمين يعد قوله مثل قول أهل العراق في القضاء بالنكول دون رد اليمين ولم يمكنه الجمع بين مذهبه ومذهب ابن القاسم، فالتأويل الأول أظهر، والله أعلم.
واختلف إذا اختلف المتبايعان والسلعة قائمة وأتى أحدهما بأشبه مما أتى به صاحبه، هل يتحالفان ويتفاسخان، أو يكون القول قول من أتى منهما بالأشبه، فالمشهور من المذهب الصحيح من الأقوال أنهما يتحالفان ويتفاسخان، ولا ينظر في ذلك إلى الأشبه من غيره، وذهب ابن وهب إلى أن القول قول من أتى منهما بما يشبه، وقاله ابن حبيب في بعض مسائله، منها إذا ادعى أحدهما حلالا والآخر حراما، ومنها إذا اختلفا في صفة النقد، وقاله ابن القاسم في سماع عيسى في الكرى، يقول: أكريت منك إلى المدينة، ويقول المكتري: اكتريت منك إلى مكة، وذلك في أيام الحج، وقاله أيضا في سماع أصبغ من كتاب الصدقات والهبات في الذي يبيع الأرض وفيها الماء، فيقول: أنا بعت الأرض دون الماء بشرط وبيان، ويقول المبتاع: بل اشتريت الأرض بمائها، وأقام ذلك القاضي أبو الوليد الباجي - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - من كتاب الرواحل والدواب من المدونة، ولا يصح ما ذهب إليه من ذلك؛ لأن الذي في المدونة إنما هو مع الفوات.
فصل
فأما مسألة الكراء والأرض والماء والاختلاف في صفة النقد فيجري ذلك على الاختلاف، وأما مسألة الاختلاف في الحلال والحرام، ففيه تفصيل، وذلك