وإن أسلم المقترض، فقيل: إن القرض يسقط عنه وهو قول مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الواضحة، وقيل: إن القيمة تلزمه للمقرض وهي رواية عيسى عن ابن القاسم، وأما إن أسلم المقرض، فقال ابن القاسم في سماع عيسى: أحب إلي أن تؤخذ الخمر من النصراني فتهراق، والخنازير فتطرح.
فمعاملة الذمي على كل حال أخف من معاملة المربي؛ لأن المربي، إذا تاب لم يحل له ما أربى فيه ووجب عليه رده إلى صاحبه إن عرفه، والصدقة به عنه إن لم يعرفه، وقد قال أصبغ - رَحِمَهُ اللَّهُ - في مال المربي وعاصر الخمر والغاصب والظالم وتارك الزكاة: إنه فاسد كله لا يجوز أن يؤكل منه شيء دون شيء ولا يشرب، وما لا يؤكل ولا يشرب، فلا يجوز أن يباع ولا يشترى. فلا يبايع به ولا يعامل، وإن عامله فيه أحد رأيت أن يخرجه كله ويتصدق به، وقد قيل: إن مبايعة من استغرق الحرام ماله جائزة إذا بايعه بالقيمة ولم يحابه، وأما هبته وصدقته ومعروفه فلا يجوز؛ لأنه كمن استغرق الدين ماله فلا يجوز له فيه معروف إلا بإذن أهل الدين، وأما الميراث فلا يطيب المال الحرام للوارث، هذا هو الصحيح الذي يوجبه النظر، وقد روي عن بعض من تقدم أن الميراث يطيبه للوارث وليس ذلك بصحيح.
فصل
ولا يجوز بين المسلم والذمي في التعامل إلا ما يجوز بين المسلمين، فإن تعاملا بما لا يجوز بين المسلمين لم يخل ذلك من ثلاثة أوجه:
(أحدها) أن يبيع منه ما لا يجوز بيعه ويجوز ملكه كتراب الصواغين، والعبد الآبق والحمل الشارد، وما أشبه ذلك، (والثاني) أن يبيع منه ما يجوز ملكه وبيعه بيعا فاسدا، (والثالث) أن يبيع منه ما لا يجوز ملكه كالخمر والخنزير والحر والدم والميتة، وما أشبه ذلك. فأما الوجه الأول والثاني فالحكم فيهما إذا وقعا كالحكم فيما بين