في القول في الربا في العين والطعام وتقسيم وجوهه وتبيين علله، الربا في بيع الطعام بعضه ببعض والعين بعضه ببعض، على وجهين: ربا في النقد، وربا في النسيئة؛ فما كان من الطعام صنفا واحدا مدخرا مقتاتا أو مصلحا للقوت أصلا للمعاش غالبا، فالربا فيه من وجهين، لا يجوز التفاضل فيه يدا بيد، ولا بيعه بالنسيئة مثلا بمثل ولا متفاضلا؛ كالذهب بالذهب، والورق بالورق، فإذا اختلف الصنفان من ذلك، جاز التفاضل فيهما يدا بيد، وحرمت فيهما النسيئة، كالذهب بالورق والورق بالذهب، وكذلك إذا بيع ما يدخر ويقتات، بما لا يدخر ولا يقتات، أو ما لا يدخر ولا يقتات، بما لا يدخر ولا يقتات، لم يكن الربا فيه إلا في النسيئة خاصة؛ لأن العلة عند مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - وأصحابه في منع جواز التفاضل في الصنف الواحد، هي أن يكون مطعوما مدخرا مقتاتا أو مصلحا للقوت؛ وبعضهم يزيد في صفة العلة أصلا للمعاش غالبا على اختلاف بينهم في مراعاة ذلك؛ والعلة في ذلك عند الشافعي الطعم بانفراده، فحرم التفاضل في الصنف الواحد من كل ما يؤكل ويشرب. كان مما يدخر أو مما لا يدخر؛ كان مما يكال أو يوزن، أو مما لا يكال ولا يوزن، حتى حرم التفاضل في السقمونيا والطين الأرمني، والعلة في ذلك عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - الكيل والوزن، فلم يجز التفاضل في الصنف الواحد مما يوزن أو يكال، كان مما يؤكل أو يشرب، أو مما لا يؤكل ولا يشرب ومنع من رطل حديد برطلين حديد - يدا بيد أو إلى أجل، لأنه مما يوزن، وأجاز تمرة بتمرتين، وجوزة بجوزتين، لأن ذلك مما لا يكال، إذ لا يتأتى فيه الكيل، وذهب سعيد بن المسيب إلى أنه لا ربا إلا في ذهب أو فضة، أو مما يوزن ويكال مما يؤكل ويشرب؛ فالعلة عنده في الربا: الطعم مع الكيل والوزن، وقد روي مثل هذا القول عن الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وهو قول أبي ثور، فلا بأس عند سعيد بن المسيب