وأما من باع بيعا أربى فيه غير مستحل للربا، فعليه العقوبة الموجعة إن لم يعذر بجهل، ويفسخ البيع ما كان قائما، في قول مالك وجميع أصحابه، والحجة في ذلك «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمر السعدين أن يبيعا آنية من المغانم من ذهب أو فضة، فباعا كل ثلاثة بأربعة عينا، أو كل أربعة بثلاثة عينا، فقال لهما رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أربيتما فردا».
فصل
فإن فات البيع فليس له إلا رأس ماله، قبض الربا أو لم يقبضه، فإن كان قبضه رده إلى صاحبه، وكذلك من أربى ثم تاب فليس له إلا رأس ماله، وما قبض من الربا وجب عليه أن يرده إلى من قبضه منه، فإن لم يعلمه تصدق به عليه لقول الله عز وجل: {وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ} [البقرة: 279] الآية. وأما من أسلم وله ربا فإن كان قبضه فهو له، لقول الله عز وجل: {فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ} [البقرة: 275]، ولقول رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من أسلم على شيء فهو له»، وأما إن كان الربا لم يقبضه فلا يحل له أن يأخذه، وهو موضوع عن الذي هو عليه، ولا خلاف في هذا أعلمه لقول الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [البقرة: 278]، نزلت هذه الآية في قوم أسلموا ولهم على قوم أموال من ربا كانوا أربوه عليهم، وكانوا قد اقتضوا بعضه منهم وبقي بعض،