عن العصمة إلا بالثلاث. هذا مفهومه عنده من قصد التخيير. وإن كانت غير مدخول بها كان حكمها حكم المملكة في المناكرة إن زادت على واحدة؛ لأنها تبين منه وتخرج عن عصمته بما دون الثلاث. وتابع مالكا على ذلك جميع أصحابه إلا ابن الماجشون فقال: إن المخيرة إذا قضت بواحدة أو ثلاث فهي ثلاث.
وعند مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أن الرجل إذا ملك امرأته أمرها أو خيرها فليس له أن يرجع عن ذلك. واختلف قوله في الحد الذي يكون إليه أمر المملكة والمخيرة بيدها، فكان أول زمنه يقول ذلك بيدها ما لم ينقض المجلس الذي ملكها أو خيرها فيه، فإن تفرقا منه سقط ما كان بيدها من ذلك إلا أن تقيده بالقبول في المجلس، وهو قول جل أهل العلم. ووجه أن هذا التمليك أمر يقتضي الجواب فوجب أن يكون ذلك بيدها ما داما في المجلس، كالمبايعة إذا قال الرجل للرجل: إن شئت سلعتي فهي لك بكذا وكذا، فهذا لا اختلاف فيه أن ذلك إنما يكون له ما داما في المجلس لم يتفرقا عنه. ثم قال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - في آخر زمانه: إن أمر المملكة والمخيرة بيدها وإن تفرقا من المجلس ما لم يوقفها السلطان أو تتركه يطأها. ووجه هذا القول أمر خطير يحتاج فيه إلى الاستخارة والاستشارة فافتقر إلى المهلة. وقد «قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لعائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - عند تخييره إياها: ولا عليك أن لا تعجلي حتى تستأمري أبويك» وهذا يدل على أن الأمر بيدها بعد انقضاء المجلس لو أحبت الاستئمار.
فصل
واختلاف قول مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - في هذا إنما هو إذا واجهها الزوج بالتمليك أو بالخيار أو من فوض الزوج ذلك إليه لاقتضاء ذلك منها الجواب. وأما إذا كتب إليها بذلك كتابا أو أرسل إليها رسولا أو جعل أمرها بيدها إن تزوج عليها أو غاب عنها مدة أو أضر بها أو ما أشبه ذلك فلم يختلف قول مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أن ذلك بيدها وإن لم تقض فيه ساعة وجب لها التمليك، قيل بيمين، وقيل بغير يمين، ما