ورد على الإمام جواب كتابه بأنه لم يعلم له خبر ولا وجد له أثر، ضرب لامرأته أجل أربعة أعوام إن كان حرا أو عامين إن كان عبدا، وينفق عليها فيها من ماله. وفي مختصر ابن عبد الحكم أن الأجل يضرب من يوم الرفع. وقال أبو بكر الأبهري: إنما ضرب لامرأة المفقود أجل أربعة أعوام؛ لأنه أقصى أمد الحمل. وهو تعليل ضعيف؛ لأن العلة لو كانت في ذلك هذا لوجب أن يستوي فيه الحر والعبد لاستوائهما في مدة لحوق النسب، ولوجب أن يسقط جملة في الصغيرة التي لا يوطأ مثلها إذا فقد زوجها وقام عنها أبوها في ذلك.

وأيضا فقد قال: إنها لو أقامت عشرين سنة ثم رفعت أمرها لضرب لها أجل أربعة أعوام، وهذا يبطل تعليله إبطالا ظاهرا. وقيل: إنما ضرب لها أجل أربعة أعوام؛ لأنها المدة التي تبلغ المكاتبة في بلد الإسلام مسيرا ورجوعا. وهذا يبطل على القول بأن الأجل إنما يضرب بعد الكشف والبحث، وإنما يشبه أن يقال على مذهب من يرى ضرب الأجل من يوم الرفع، وفيه أيضا نظر، وإنما أخذت بالأربعة الأعوام بالاجتهاد؛ لأن الغالب أن من كان حيا لا تخفى حياته مع البحث عنه أكثر من هذه المدة، ووجب الاقتصار عليها؛ لأن الزيادة فيها والنقصان منها خرق الإجماع؛ لأن الأمة في المفقود على قولين: أحدهما: أن زوجته لا تتزوج حتى يعلم موته أو يأتي عليه من الزمان ما لا يحيا إلى مثله. والثاني: أنه يباح لها التزويج إذا اعتدت بعد تربص أربعة أعوام، فلا يجوز إحداث قول ثالث.

والذي ذكر أبو بكر الأبهري من أن أكثر مدة الحمل أربعة أعوام هو ظاهر ما في كتاب العتق الثاني من المدونة، ومذهب الشافعي. وذهب ابن القاسم إلى أن أكثره خمسة أعوام. وروى أشهب عن مالك سبعة أعوام على ما روي أن امرأة ابن عجلان ولدت مرة لسبعة أعوام. وذهب أبو حنيفة وأصحابه والثوري إلى أن أقصاه عامان، واختاره الطحاوي استدلالا بقول الله عز وجل: {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرًا} [الأحقاف: 15]؛ لأنه جمع الحمل والفصال في ثلاثين شهرا، فلا يصح أن يخرجا منها ولا واحد منهما. فلما خرجت عنها سائر الأقوال لم يبق إلا القول الذي لم يخرج قائلوه بهما عنها، فكان هو أولاها بالصواب.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015