الصحيحة. والميتة مذكورة في أول الآية، والصحيحة لا معنى لذكرها إذ لا إشكال في أمرها، فهذا دليل على صحة تأويلنا، وقولنا إن المراد بالموقوذة وأخواتها ما صار إلى هذا الحد وفي ذلك اختلاف سنذكره.
وقد اختلف في قول الله عز وجل في هذه الآية: {إِلا مَا ذَكَّيْتُمْ} [المائدة: 3]، هل هو استثناء متصل أو من فصل. والاستثناء المتصل هو ما يخرج عن الجملة بعض ما يتناوله اللفظ، مثل قول القائل رأيت بني فلان إلا عمرا منه. وقَوْله تَعَالَى: {فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلا خَمْسِينَ عَامًا} [العنكبوت: 14]، وهو كثير. والاستثناء المنفصل هو ما لا يخرج من الجملة المتقدمة شيئا مما يتناوله اللفظ، مثل قول القائل أطعمت القوم إلا دوابهم. قال النابغة:
وما بالربع من أحد إلا الأراوي
والأراوي ليست من الآحاد. ومنه قول الله عز وجل: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلا خَطَأً} [النساء: 92]؛ لأن الخطأ لا يصح أن يقال فيه إن له أن يفعله. وقَوْله تَعَالَى: {طه - مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى} [طه: 1 - 2] {إِلا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى} [طه: 3]، ويقدر هذا الاستثناء بلكن كأنه قال: ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى لكن تذكرة لمن يخشى.
فصل
فمن ذهب إلى أن الاستثناء في قَوْله تَعَالَى: {إِلا مَا ذَكَّيْتُمْ} [المائدة: 3]، هو من الاستثناء المتصل أجاز ذكاة المنخنقة وأخواتها وإن صارت البهيمة مما أصابها من ذلك إلى حال اليأس ما لم ينفذ ذلك مقتلا، وهو مذهب ابن القاسم وروايته عن مالك في المدونة والعتبية، وإحدى روايتي أشهب عنه في العتبية أيضا. ومن ذهب إلى أنه استثناء من فصل لم يجز ذكاتها إذا صارت في حال اليأس مما أصابها من ذلك وإن لم ينفذ منها مقتلا، وقال: معنى الكلام: لكن ما ذكيتم من غير هذه