بعمرة مفردة ولم يسمع إهلاله بعد ذلك بالحج الذي أضافه إلى العمرة المتقدمة: إنه كان متمتعا. وقال: من سمع إهلاله بعد ذلك بالحج المفرد الذي أضافه إلى العمرة المتقدمة ولم يسمع إهلاله بالعمرة المتقدمة إنه أفرد الحج. وقال: من سمع إهلاله حين صلى الركعتين بالعمرة ثم سمع إهلاله بعد ذلك بالحج الذي أضافه إليها إنه كان قارنا. وكان قول من قال ذلك أولى؛ لأنه علم الأمرين جميعا وخفي على من قال: إنه كان مفردا أو متمتعا أو أحدهما. ويؤيد هذا قول رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في حديث علي - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: «فإني سقت الهدي وقرنت» لأنه أخبر عن نفسه بما كان عليه من أمره فكان أولى مما وصف عنه من يمكن أن يكون قد غاب عنه بعض أمره. وقد قيل في وجوب اختلافهم في إحرامه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه كان أفرد الحج أولا ثم فسخه في عمرة وأمر أصحابه بذلك نقضا لما كانوا عليه في الجاهلية، لأنهم كانوا يرون العمرة في أشهر الحج من أفجر الفجور، وكانوا يسمون المحرم صفر ويقولون إذا عفا الوبر، وبرئ الدبر، ودخل صفر، حلت العمرة لمن اعتمر. فلما قدم مكة قبل أن يطوف بالبيت أضاف الحج إلى العمرة التي كان فسخ الحج فيها فصار بذلك قارنا، فكان في أول أمره مفردا للحج، ثم صار متمتعا إذ فسخ الحج في العمرة، ثم صار قارنا إذ أضاف الحج إلى العمرة. فيصح على هذا قول من قال: إنه أفرد الحج، وقول من قال: إنه كان متمتعا، وقول من قال: إنه كان قارنا. إلا أن إردافه الحج على العمرة لا يوجد في الأحاديث نصا وإنما يقال ذلك بتأويل. والمنصوص فيها قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إني لبدت رأسي وقلدت هديي فلا أحل حتى أنحر». فظاهر هذا أنه بقي على عمرته متمتعا إلا أنه لم يحلق بسبب الهدي، وهو قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وأصحابه: إن من ساق هديا لتمتعه لا يحلق حتى ينحر الهدي، فظنه قارنا من قال: إنه كان قارنا بقوله «لبدت رأسي وقلدت هديي فلا أحل حتى أنحر» ولم يكن قارنا وإنما كان متمتعا لفسخه الحج في العمرة. وإنما فسخ الحج في العمرة لينقض بذلك ما كان عليه أهل الجاهلية، لأن التمتع أفضل من إفراد الحج. فبان على هذا أن إفراد الحج أفضل من التمتع ومن القران، وهو مذهب مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وبالله التوفيق.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015