فنحر ثلاثا وستين بيده، ثم أعطى عليا فنحر ما غبر وأشركه في هديه. ثم أمر من كل بدنة ببضعة فجعلت في قدر فطبخت فأكلا من لحمها وشربا من مرقها. ثم ركب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى البيت فأفاض وصلى بمكة الظهر، فأتى بني عبد المطلب وهم يسقون على زمزم، فقال: انزعوا بني عبد المطلب، فلولا أن يغلبكم الناس على سقايتكم لنزعت معكم فناولوه دلوا فشرب منه.»
وكانت حجة رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هذه في سنة عشر من الهجرة، وهي حجة الوداع، لم يحج رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من المدينة بعد أن أنزل عليه فرض الحج غيرها، وحج بمكة قبل أن يفرض عليه الحج حجتين على ما روي.
فصل
ولما فرض الحج وانصرف رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من غزوة تبوك عام تسع أراد الحج ثم قال: إنه يحضر البيت غدا مشركون يطوفون بالبيت فلا أحب أن أحج حتى لا يكون ذلك، فأرسل أبا بكر فأقام الحج للناس في ذلك العام، وذلك عام تسع، ثم أردفه عليا لما نزلت صدر سورة براءة ليقرأها على الناس بالموسم، ويعهد إلى الناس أن «لا يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان» إلى سائر ما أمره أن ينادي به في كل موطن من مواطن الحج، فخرج على ناقة رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - العضباء حتى لحق أبا بكر بالطريق، فقال له أبو بكر: أمير أو مأمور؟ قال: بل مأمور. ثم نهضا فأقام أبو بكر للناس الحج في ذلك العام على منازلهم التي كانوا في الجاهلية عليها من النسيء الذي ذكره الله في كتابه حيث يقول: {إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا} [التوبة: 37] الآية فوقعت حجته في ذي القعدة على ما كانوا عليه من النسيء في الجاهلية. وذلك أنهم كانوا يحجون في كل شهر عامين، فوافقت حجة أبي بكر الآخر من العامين في ذي القعدة. ثم حج النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من،