وكذلك الصلاة على الجنائز على مذهبه إذا انتهى إليه زحام الناس الذين يصلون عليها. وإنما قلنا المختصة بالآخرة تحرزا من الحكم بين الناس والإصلاح بينهم.
وأما الموضع فإنه المسجد. وقد اختلف هل يكون في كل مسجد أم في بعض المساجد دون بعض، فذهب مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - في المشهور عنه أن الاعتكاف يصح في كل مسجد، وأنه لا بأس بالاعتكاف في مسجد لا تجمع فيه الجمعة، إذا كان ممن لا تلزمه الجمعة، أو بموضع لا يلزمه منه الإتيان إلى الجمعة، أو كان لا تدركه الجمعة باعتكافه؛ لظاهر قول الله عز وجل: {وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [البقرة: 187]، إذ عمها ولم يخص منها شيئا دون شيء. وروى ابن عبد الحكم عنه أن الاعتكاف لا يكون إلا في المسجد الجامع، وهو قول جماعة من السلف. وروي عن حذيفة بن اليمان وسعيد بن المسيب أن الاعتكاف لا يكون إلا في مسجد بني كمسجد النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ومسجد إيلياء والبيت الحرام. والمرأة والرجل في ذلك سواء عند مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، خلاف قول أبي حنيفة وأصحابه أن المرأة لا تعتكف إلا في مسجد بيتها - واحتج من نصر قولهم بقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا تسافر المرأة مسيرة يوم وليلة إلا مع ذي محرم منها»، وبحديث عائشة: «لو أدرك رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ما أحدث النساء لمنعهن المسجد كما منعه نساء بني إسرائيل» قالوا: لا حجة لمن أجاز ذلك في إذن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لمن أذن لهن من أزواجه أن يعتكفن معه؛ لأنه يحتمل أن يكون اتسع ذلك لهن بخلاف غيرهن، لكونه معهن بحق الزوجية أو لحرمتهن على جميع المسلمين سواه. وقد تسافر المرأة مع زوجها ومع ذوي محارمها الأسفار البعيدة وليس لهن أن يفعلن ذلك مع سواهم. والله الموفق للصواب. وذهب ابن لبابة إلى أن الاعتكاف يصح في غير مسجد، وأن ترك مباشرة