عن كل يوم مسكينا على ما ورد في هذه الآية، فنسخ ذلك بقوله تعالى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 185]، وهذا مذهب مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - وجميع أصحابه. وقد قيل: إن الآية محكمة وردت في الشيخ الكبير والعجوز والمرضع والحامل. وروي ذلك عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - في رواية، وروي عنه وعن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - أنهما قرءا وعلى الذين يطوقونه. ومعنى هذه القراءة يكلفونه فلا يطيقونه إلا بجهد ومشقة. وقد وردت الآية عامة في هؤلاء وفي الصحيح المقيم، فنسخ من ذلك الصحيح المقيم بقوله تعالى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة: 185] وبقيت الآية محكمة في المذكورين.
والمريض الذي يصح له الفطر هو الذي لا يقدر على الصيام أو يقدر عليه بجهد ومشقة من أجل مرضه، فاختلف إذا قدر على الصيام بغير جهد ولا مشقة تلحقه من أجل مرضه إلا أنه يخشى أن يزيده الصيام في مرضه، فقيل: إن الفطر له جائز، وهي رواية أصبغ عن ابن القاسم في العتبية. وقيل: إن ذلك لا يجوز له؛ لأن الصوم عليه واجب لقدرته عليه وما يخشى من زيادة مرضه أمر لا يستيقنه، فلا يترك فريضة بشك. والأول أصح، وقد قيل: إن المريض له أن يفطر بكل حال إذا كان يسمى مريضا بظاهر قول الله تعالى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا} [البقرة: 184]، روي عن طريف بن تمام العطاردي أنه دخل على محمد بن سيرين وهو يأكل في رمضان فلم يسأله، فلما فرغ قال له: إنه وجعت إصبعي هذه. والأولى في هذا أن المرض الذي أذن الله بالإفطار معه، هو المرض الذي يجهد الصائم الصيام معه جهدا غير محتمل، أو يخشى زيادة المرض به.
فصل
وقد كان في أول الإسلام من نام من الليل قبل أن يطعم لم يأكل ولا جامع بقية ليلته ويومه حتى يمسي، على ما كان عليه أهل الكتاب لقول الله عز وجل: