المسجد الجامع لم تصح إقامتها فيما سواه من المساجد، إلا أن تنقل الجمعة إليه على التأبيد. وهو بعيد؛ لأنه مسجد، وصلاة الجمعة فيه جائزة إذا تعذرت إقامتها بالمسجد الجامع وإن لم تنقل الجمعة إليه على التأبيد. وقد أقيمت الجمعة بقرطبة في مسجد أبي عثمان بالربض الغربي، ولا أرى ذلك كان إلا لعذر منع من إقامتها في المسجد الجامع دون أن تنقل الجمعة إليه على التأبيد، والعلماء متوافرون ولو نقل الإمام الجمعة في جمعة من الجمع من المسجد الجامع إلى مسجد من المساجد من غير عذر لكانت الصلاة مجزئة.
فإن قال قائل: لو جاز أن تصلى الجمعة في غير المسجد الجامع من غير أن تنقل إليه الجمعة على التأبيد لجاز لمن رعف مع الإمام في صلاة الجمعة أن يتم صلاته في أقرب المساجد إليه حيث يغسل الدم عنه وقد قالوا: إنه لا يتم صلاته إلا في المسجد الجامع.
فالجواب عن ذلك أن من أصحابنا من قال: يتم صلاته في أقرب المساجد إليه إلا أن يعلم أنه يدرك من صلاة الإمام شيئا فيرجع إلى المسجد الجامع ليتم صلاته مع الإمام، فعلى هذا القول لا يلزمنا هذا السؤال. ومن أوجب عليه الرجوع إلى المسجد الجامع وإن لم يدرك من الصلاة مع الإمام شيئا فالمعنى عنده إنما هو الرجوع إلى المسجد الذي ابتدأ فيه الصلاة مع الإمام لابتدائه معه الصلاة فيه لا لأنه المسجد الجامع، والله سبحانه وتعالى أعلم.
وأما الخطبة فإنما هي شرط في صحة الجمعة، وذهب ابن الماجشون إلى أنها سنة. والدليل على وجوبها قول الله عز وجل: {وَتَرَكُوكَ قَائِمًا} [الجمعة: 11]، ومن شرطها أن تكون قبل الصلاة. واختلف هل من شرطها الجماعة أم لا، وظاهر المدونة من شرطها الجماعة. واختلف أيضا هل من شرط صحة الصلاة استدامة الجماعة من أول الصلاة إلى آخرها على ثلاثة أقوال: أحدها: أن ذلك من شروط