المواشي ليست هي الجانية إذ ليست بمخاطبة ولا بمكلفة، وإنما الجاني ربها إذ لم يمنعها من الإفساد في الليل، فيلزمه غرم ما أفسدت الماشية من الزرع والأموال بالليل من قليل أو كثير، وليس له إسلام الماشية بالفساد. والعبد عاقل مكلف مخاطب فهو الجاني وجناياته في رقبته، فإذا أسلمه سيده فليس عليه أكثر من ذلك، إذ لا يحمل أحد جناية أحد لقول الله عز وجل: {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: 164]. ولقول رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لأبي رمثة في ابنه: «لا تجني عليه ولا يجني عليك». إلا أن يأمره السيد بالجناية فإن أمره بها اقتص منهما جميعا عند ابن القاسم، كان العبد فصيحا أو أعجميا. وقال ابن وهب: إذا أمر السيد عبده بقتل رجل فإن كان فصيحا اقتص من العبد وضرب السيد مائة وسجن عاما. وإن كان أعجميا اقتص من السيد وضرب العبد مائة وسجن عاما. وأما ما أفسدت الماشية بالنهار فلا شيء على صاحبها فيه لقول رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «جرح العجماء جبار».
وإنما يسقط عنه الضمان فيما أفسدت من الزرع بالنهار إذا أخرجها عن جملة مزارع القرية وتركها بالمسرح. وأما إن أطلقها للرعي قبل أن تخرج من جملة مزارع القرية دون راع يذودها عن الزرع فهو ضامن لما أفسدت، وإن كان معها رعاتها فلا ضمان عليه، وإنما الضمان على الراعي إن فرط أو ضيع حتى أفسدت شيئا. على هذا حمل أهل العلم ما ثبت أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قضى على أرباب الزرع بحفظها بالنهار وإن ما أفسدت المواشي بالليل ضامن على أهلها.
فصل
والأصل في هذه المسألة قول الله تبارك وتعالى: {وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ} [الأنبياء: 78] الآية والنفش لا يكون إلا بالليل، وأما بالنهار فهو الهمل. وشرعنا على هذا في إيجاب الضمان على رب