والثانية: أنها تغلظ. فإذا قلنا إنها تغلظ ففي صفة تغليظها ثلاثة أقوال:
أحدها: أن يقوم الثلاثون حقة والثلاثون جذعة والأربعون خلفة قيمتها بالغة ما بلغت فيكون ذلك عليه إلا أن تكون أقل من الألف مثقال ومن الاثني عشر ألف درهم فلا ينقص من ذلك شيء.
والثاني: وهو مذهب ابن القاسم في المدونة أن تقوم أسنان الخطأ الخمسة وأسنان المغلظة الثلاثة فينظر كم بينهما فيسمى ذلك من دية الخطأ، فإن كان الثلث أو الربع زيد على الألف دينار أو الاثني عشر ألف درهم ثلثها أو ربعها.
والثالث: أن يعرف كم بين القيمتين فيزاد ذلك على الذهب أو الورق. ودية شبه العمد عند أبي حنيفة مربعة ولا تغليظ فيها عند أهل الذهب والورق، وعند أبي ثور مخمسة ولا تغليظ فيها بحال.
فصل
في
دية الكتابيين
وأما دية اليهودي والنصراني فإنها مثل نصف دية الحر المسلم. هذا الذي ذهب إليه مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - ورواه في موطأه عن عمر بن عبد العزيز وتابعه عليه جميع أصحابه. وقال الشافعي: ديتهما مثل دية المسلم وهو قول جماعة من السلف. وذهب أبو حنيفة وأصحابه إلى أن دية اليهودي والنصراني والمجوسي مثل دية الحر المسلم، واحتج بظاهر قول الله عز وجل: {وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء: 92] فتأول أن المراد به الكافر وقال: أوجب الله في قتله خطأ الدية والكفارة كما أوجب في المؤمن، فوجب أن تكون ديتهما سواء كما أن الكفارة عنهما سواء، وهذا لا حجة فيه لأن الله لم يذكر فيه أنه كافر، فيحتمل أن يكون المراد به أنه مؤمن. ولو صح أن المراد به الكافر لما أوجب استواء الديتين لاستواء الكفارتين. لأن هذا أمر لا مدخل للقياس