به قذفا. هذا قول مالك وأصحابه خلافا للشافعي وأبي حنيفة وأصحابهما في قولهما إن التعريض لا يجب فيه الحد وإنما فيه الأدب. وقال أصحاب الشافعي إلا أن يقول أردت به القذف فيحده والصحيح ما ذهب إليه مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأنا إنما تعبدنا بالمعاني لا بالألفاظ، لأن الألفاظ قد ترد وظاهرها خلاف المراد بها. فإذا فهم مراد المتكلم بها وقصده منها كان الحكم له لا للفظ. قال الله عز وجل: {فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ} [الزمر: 15] فهذا لفظ ظاهره الأمر والمراد به المفهوم منه النهي الذي هو ضد الأمر، فقام المفهوم من اللفظ عند سامعه مقام التصريح له به. وهذا كثير موجود في القرآن ولسان العرب. وقال الله عز وجل: {قَالُوا يَا شُعَيْبُ أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ إِنَّكَ لأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ} [هود: 87] أرادوا إنك لأنت الأحمق السفيه، فالكلام ظاهره المدح والمفهوم منه السب والاستهزاء فهو أبلغ من التصريح بالسب. وكذلك قد يكون من التعريض ما هو أبلغ من التصريح بالقذف، مثل أن يتساب الرجلان فيقول أحدهما لصاحبه يا بن الفاعلة يا بن الصانعة يا بن العفيفة التي لم تزن قط ولا ألمت بفاحشة. فهل يشك أحد أو يمتري أن هذا أبلغ وأشد من قوله يا بن الزانية.
وقد احتج الشافعي في إسقاط الحد في التعريض بالقذف بقول الله عز وجل وقوله الحق: {وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ} [البقرة: 235] قالوا فقد منع الله من المواعدة في العدة وأباح التعريض بذلك، وهو احتجاج فاسد يلزمه عليه أن يبيح التعريض بالقذف لأن الله أباح التعريض في النكاح في الحال الممنوع منه. وهذا قول من لم يفهم معنى الآية. إنما منع الله من المواعدة، والمواعدة مفاعلة من اثنين فلا تكون مواعدة إلا منهما جميعا أو منه ومن وليهما، وذلك يشبه العقد،