النكاح وفرق بينهما بتفاريق لا تصح، ذكرها عبد الحق وغيره من المتكلمين على مسائل المدونة. وأما إن ادعاه أحدهما على صاحبه وأنكره الآخر قبل الزنى فلا يلزم المنكر الإحصان باتفاق ولا المقر به على سبيل الدعوى باتفاق أيضا، وله أن يرجع عن إقراره قبل أن يؤخذ في الزنى أو بعد أن يؤخذ فيه، كان الرجل أو المرأة.
وأما إن أقر أحدهما بالوطء على سبيل الدعوى والآخر منكر، فأما المنكر فلا يكون محصنا باتفاق، وأما المقر فقال ابن القاسم يكون محصنا، وقال ابن عبد الحكم لا يكون محصنا. حكى هذين القولين عبد الوهاب في شرح الرسالة ولم يلخصه هذا التلخيص. ووجه قول ابن عبد الحكم بأن الحدود تدرأ بالشبهات، وإنكار أحدهما شبهة للآخر، لأنه يمكن أن يقر بذلك لغرض يكون له فيه. ووجه قول ابن القاسم بأنه مقر على نفسه، والله يقول: {وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلا عَلَيْهَا} [الأنعام: 164] فيجب إعمال قوله عليه وإن أنكر صاحبه. أصله إذا أقر بالزنى أحدهما وأنكره الآخر. وأما إن كان اختلافهما في الوطء بعد الزنى، فأما المقر فيلزمه الإحصان بإقراره بالوطء ويجب عليه الرجم باتفاق. وأما المنكر فاختلف فيه هل يصدق أم لا على الثلاثة الأقوال التي تقدمت في إنكارهما جميعا الوطء بعد الزنى. وذهب بعض الناس إلى أن هذا الاختلاف غير داخل في هذه المسألة وأنه يحد ولا يصدق في إنكاره الوطء بعد الزنى لإقرار صاحبه به عليه. وليس هذا بشيء لأن إقرار أحدهما على صاحبه شهادة منه عليه بالإحصان، ولا تجوز شهادة شاهد واحد بالإحصان.
فأما من لم يحصن بالتزويج من الأحرار فحده جلد مائة وتغريب عام لقول رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام». وقوله في حديث مالك وجلد