كتاب الجهاد من المدونة من قول ابن شهاب: هاجت الفتنة الأولى فأدركت رجالا ذوي عدد من أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كانوا يرون أن يهدم أمر الفتنة فلا يقام على أحد قصاص فيمن قتل ولا حد في سبي امرأة مست، ولا يرى بينهما وبين زوجها ملاعنة، يريد إن نفى ولدها، ولا يرى أن يقذفها أحد إلا جلد الحد. ومن أسر منهم في الحرب وهي قائمة لم يظهر بعد على أهل رأيه فللإمام أن يقتله إن رأى ذلك لما يخاف من أن يعين مع أصحابه على المسلمين. وإن كان ذلك بعد انقطاع الحرب والظهور على أهل رأيه فإنه لا يقتل، وحكمه حكم البدعي في جماعة المسلمين الذي لا يدعو إلى بدعته يستتاب في قول ذلك فإن تاب وإلا قتل. وهو قول مطرف وابن عبد الحكم وأصبغ. وفي قول ابن الماجشون وسحنون ينهى عن بدعته ويؤدب ويستتاب ويقبل منه ما أظهر من قليل التوبة أو كثيرها وهو قول عطاء وبالله التوفيق.
وأما المحارب إذا ارتد فحارب في ردته فقتل وأخذ المال ثم ظهر عليه فإنه يقتل بالحرابة ولا يستتاب كما يستتاب المرتد إذا لم يحارب، ولا يجوز لأولياء المقتول العفو عنه كانت حرابته في بلد الإسلام أو بعد أن لحق بدار الحرب. وأما إن أسلم المرتد المحارب في ارتداده بعد أن أخذ أو قبل أن يؤخذ فإن كانت حرابته في بلد الحرب فهو كالحربي يسلم لاتباعة عليه في شيء مما فعل في بلد الحرب في حال ارتداده. وأما إن كانت حرابته في بلد الإسلام فإنما يسقط إسلامه عنه حكم الحرابة خاصة ويغرم ما أخذ من المال إن كان له مال ويتبع به في ذمته إن لم يكن له مال بمنزلة ما استهلك من الأموال بغير حرابة. وكذلك ما أصاب من الدماء والجراح يحكم عليه في ذلك بما يحكم على المرتد إذا قتل أو جرح في حال ارتداده ثم أسلم. وهذا أصل اختلف فيه قول ابن القاسم، فمرة نظر إلى حال المرتد في القود والدية يوم الفعل، ومرة نظر إلى حاله يوم الحكم، ومرة فرق بين الدية والقود فنظر إلى القول يوم الفعل وإلى الدية يوم الحكم.