كان أشل اليد اليمنى أو مقطوعها في قصاص أو جناية وشبهه. فقال ابن القاسم: تقطع يده اليسرى ورجله اليمنى حتى يكون القطع من خلاف كما قال الله عز وجل. وقال أشهب: تقطع يده اليسرى ورجله اليسرى، وقول ابن القاسم أظهر.
وأما قوله: {أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الأَرْضِ} [المائدة: 33] فاختلف في تأويله روى مطرف عن مالك أن النفي السجن، وبه قال أبو حنيفة وأصحابه. وقال ابن القاسم ورواه عن مالك إن النفي أن ينفى من بلده إلى بلد آخر أقله ما تقصر فيه الصلاة فيسجن فيه إلى أن تظهر توبته. وقال ابن الماجشون معنى ذلك أن يطلبهم الإمام لإقامة الحد عليهم فيكون هروبهم إقامة الحد عليهم هو النفي، فأما أن ينفى بعد أن يقدر عليه فلا. وقال السدي وغيره: هو أن يطلبهم الإمام بالخيل حتى يأخذهم فيقيم فيهم الحكم أو ينفوا من أرض الإسلام إلى أرض الحرب، وهو نحو قول ابن الماجشون. فعلى قول هؤلاء تكون العقوبات التي ذكر الله في المحارب بعضها لمن قدر عليه، وبعضها لمن لم يقدر عليه - والأشبه أن تكون كلها فيمن قدر عليه. وقيل: إن الإمام إذا قدر عليه نفاه من بلده إلى بلد آخر، وهو قول سعيد بن جبير وغيره، وهو بعيد، لأن نفي المحارب عن بلده إلى بلد آخر ليس بعقوبة له، إذ هو في حرابته وخروجه غائب عن بلده، فإنما نفيه إلى بلد آخر دون أن يسجن إحمال له وتسليط وبعث على التزيد في العبث والفساد.
فصل
وأما قوله: {إِلا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [المائدة: 34] فإن أهل العلم اختلفوا في هذا المعنى في أربعة مواضع:
أحدها: قبول توبة المحارب من أهل الإسلام وأهل الذمة.
والثاني: في صفة المحارب التي تقبل منه التوبة.
والثالث: في صفة التوبة التي تقبل منه.