على التخيير ولم يكن على الترتيب وأيضا فلو كان اللسان العربي يوجب الترتيب إذا بدأ في العقوبات بالأغلظ فالأغلظ على ما قالوه دون التخيير لما احتاج تعالى أن يقول في كفارة القتل وكفارة الظهار: {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ} [النساء: 92]، ولقال أو صيام شهرين متتابعين لأن أو أخف على اللسان وأوجز في الكلام، لأن البلاغة إنما هي في بيان المعاني مع اختصار اللفظ مع أنا لا نقول إن عتق رقبة أغلظ من صيام شهرين متتابعين بل صيام شهرين متتبابعين أشد وأغلظ من عتق رقبة لا سيما على من هو كثير اليسار، وفي بعض هذا كفاية.
واستندوا فيما ذهبوا إليه من ذلك إلى ما روي عن ابن عباس أن المحارب إذا حارب وقتل قتل وإن حارب وقتل وأخذ المال صلب. وإن حارب وأخذ المال ولم يقتل قطع من خلاف، وإن حارب السبيل ولم يقتل ولا أخذ مالا نفي إلا أن يتوب في ذلك كله قبل أن يقدر عليه.
فصل
فأما الشافعي فقال بقول ابن عباس هذا. وقد اختلفت الروايات عنه اختلافا كثيرا أعني ابن عباس. وأما أبو حنيفة وأصحابه فقالوا: إن أخاف السبي ولم يقتل وظفر به قبل أن يتوب حبس لقول الله عزوجل: {أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الأَرْضِ} [المائدة: 33]، وتأولوا أن النفي الحبس. وإن أخذ مالا فكان ما أخذ عشرة دراهم فصاعدا قطعت يده ورجله من خلاف. فإن قتل وأخذ المال فإن أبا حنيفة قال: الإمام بالخيار إن شاء قطع يده ورجله من خلاف أو صلبه وقتله على الخشبة، وإن شاء لم يصلبه وقطع يده ورجله من خلاف ثم قتله، وإن شاء قتله بغير صلب أو قطع. قال أبو يوسف ومحمد بن الحسن وغيرهما: إذا وجب عليه القتل لم يقطع لأن القتل يأتي على كل شيء، ولكن أحب إليهم أن يقتل على الخشبة مصلوبا. فإن خرج