قال الله عز وجل: {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا} [المائدة: 32]. فجعل الفساد في الأرض بمنزلة القتل في وجوب القتل به. فمعنى الآية من قتل نفسا بغير نفس أو بغير فساد في الأرض فأسقط غير وعطف الكلام على ما قبله ثم بين الله تبارك وتعالى الفساد في الأرض المذكور في هذه الآية ما هو فقال: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [المائدة: 33].
فمحاربة الله ورسوله عصيانهما بإخافة السبيل، وإخافة السبيل هو السعي في الأرض فسادا أو السعي في الأرض فسادا هو الحرابة نفسها لا غيرها. وقَوْله تَعَالَى: {وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا} [المائدة: 33] تكرير لذكر الحرابة بغير اسم الحرابة على سبيل التأكيد، وهو كثير موجود في القرآن ولسان العرب. قال الله عز وجل: {إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ} [يوسف: 86]، والبث والحزن شيء واحد. وقال: {ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ} [المدثر: 22]