التدبير حتى يتبين أنه أراد الوصية؟ فحمله ابن القاسم على الوصية حتى يعلم أنه أراد التدبير، وحمله أشهب على التدبير حتى يعلم أنه أراد الوصية. ولكلا القولين وجه من النظر. ولو قال: إن فعلت كذا وكذا فعبدي حر بعد موتي ففعله لكان مدبرا لا رجوع فيه على قولهما جميعا لوجوب العتق عليه بعد الموت بالحنث، وذلك منصوص عليه لابن القاسم في المدونة وغيرها. فإذا دبر الرجل عبده تدبيرا مطلقا فقد لزمه ووجب عليه وليس له أن يرجع عنه بقول ولا فعل على مذهب مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - وجميع أصحابه، وهو مذهب أبي حنيفة وأصحابه. وقال الشافعي وأبو ثور وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه: هي وصية وله أن يرجع فيها. واحتجوا بحديث جابر «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - باع مدبرا» وبأن عائشة دبرت جارية لها ثم باعتها. إلا أنهم اختلفوا بماذا يكون له الرجوع فيه، فقال الشافعي: إنما يكون له أن يرجع فيه بأن يخرجه عن ملكه ببيع أو هبة أو صدقة. وأما إن قال: قد رجعت في تدبيره ولم يخرجه عن ملكه حتى مات فليس برجوع منه ويعتق في ثلثه. وقال أبو ثور: إذا قال: قد رجعت فيه فقد بطل تدبيره وإن مات وهو في ملكه لم يعتق. والصحيح ما ذهب إليه مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن التدبير لازم له وواجب عليه ليس له أن يرجع عنه بقول ولا يفعل لما قدمناه من ظاهر القرآن. وما روي في ذلك عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بخلاف الوصية وبالله التوفيق.

فصل

والفرق بين التدبير والوصية أن التدبير عتق قد أوجبه لعبده على نفسه في حياته إلى أجل آت لا محالة، أن لا يكون له الرجوع فيه بقول ولا فعل كالمعتق إلى أجل، لأن العتق يقع عليه عند الموت واحتمال الثلث له بعقد السيد المعتق له، كما يقع على المعتق إلى أجل عند حلول الأجل بعقد السيد المعتق له. والموصى بعتقه لم يعقد السيد له عقد عتق في حياته، وإنما أمر أن يعتق عنه بعد وفاته، فالعتق إنما يقع عليه بعد الموت من الموصي إليه، فهو كمن وكل رجلا أن يبيع

طور بواسطة نورين ميديا © 2015