ولا للعبد أن يُعجِّز نفسه باختياره إذا أبى السيد وله مال ظاهر. فإن رضي العبد وسيده بفسخ الكتابة وله مال ظاهر فلا يخلو من أن يكون للمكاتب ولد في الكتابة أو لا يكون له ولد. فأما إن كان له ولد فليس لهما ذلك لتعلق حق الولد في العقد، وأما إن لم يكن له ولد فذلك على قولين:

أحدهما: أن ذلك ليس لهم أو، وهو قول مالك في المدونة. ووجه ذلك أن الكتابة تتعلق بها ثلاثة حقوق: حق لكل واحد من المتعاقدين، وحق لله تعالى وهو حرمة العتق. فإن رضي المتعاقدان بإسقاط حقهما لم يسقط لذلك حق الله تعالى، كالعبد بين الرجلين يعتق أحدهما نصيبه وهو موسر فيرضى شريكه والعبد بترك التقويم؛ فلا يجوز ذلك لأن فيه إسقاط حق الله تعالى في إكمال الحرية.

الثاني: أن ذلك لهما، وهو قول ابن كنانة وابن نافع. ووجهه أن الحق في عقد الكتابة للمتعاقدين لا يتعداهما، فإذا رضيا بإسقاطه جاز، كتقابل المتابعين. وذهب الشافعي إلى أنه للعبد أن يعجز نفسه أي وقت شاء، شاء سيده أو أبى وإن كان له مال ظاهر. وحجته أن حق المكاتب لما كان في الكتابة أغلب من حق سيده لم تكن الكتابة لازمة في حقه، كالنكاح لما كان حق الزوج مغلبا فيه لم يكن العقد لازما في حقه. وهذا كله غير صحيح، لأن في الكتابة حق لله وحق للسيد، فلا نسلم أن حق المكاتب أغلب. ولو سلمنا ذلك لم يجب إذا غاب أحد الحقين أن يسقط من غير عذر. ألا ترى أن الزوج وإن ملك الطلاق فإنه لا يملك به إسقاط حق الزوجة من المهر إن سمي، وإنما أسقط به حق نفسه. وفي تعجيز العبد نفسه إسقاط حق السيد من العوض الذي تراضيا عليه.

فصل

وأما التعجيز إذا لم يكن له مال ظاهر فلا يخلو من ثلاثة أحوال:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015