أنت حر على أن تدفع إلي كذا وكذا إلى أجل كذا وكذا أو لم يسم الأجل: إنه لا يكون حرا إذا لم يقبل ذلك العبد. وذلك خلاف لقوله في إجازة الكتابة على الغائب. وحكى ابن حبيب الاختلاف في ذلك أيضا وبالله التوفيق.
والذي اختار ابن بكير وإسماعيل القاضي أن للسيد أن يجبر عبده على الكتابة، لأنه إذا كان للسيد أن يؤاجر عبده السنة أو السنتين ويأخذ الأجرة وهو باق على رقه، فمكاتبته مدة معلومة على مقدار ما يعلم أنه يطيق أداءه في تلك المدة من عمله واكتسابه لازم له ليس له أن يمتنع منه، لأن ذلك يفضي به إلى الحرية من غير ضرر يلحقه فيه.
وتعلق من منع من ذلك بظاهر قول الله عز وجل: {فَضْلِهِ وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} [النور: 33] فقال: في هذا دليل على أنه لا يكاتب إذا لم يبتغ الكتابة، وهذا بعيد، لأن السيد إذا كان مرغبا في كتابة عبده إذا سأله ذلك مأجورا عليه فهو في مكاتبته إياه من غير أن يسأله الكتابة أعظم أجرا وأكثر ثوابا، وليس للعبد أن يمتنع من ذلك للعلة التي قدمناها. واعتل أيضا من منع ذلك بأن السيد يتهم على إسقاط نفقته التي كانت تلزمه عن نفسه، وهي علة ضعيفة، لأنه وإن سقطت عنه نفقته فقد منع نفسه من استخدامه وأخذِ خراجه، لأنا لا نقول: إن له أن يجبر على الكتابة إلا من يقوى عليها ولا يضعف عنها.