جواز المكاتبة لأن تعليق الأحكام بها يفيد جوازها. وأما الإجماع فلا خلاف بين الأمة أن الكتابة جائزة بين العبد وسيده إذا كانت على شروطها الجائزة. وإنما اختلفوا في شروطها وفي أحكامها، وفي وجوبها على السيد إذا دعا إليها العبد، وفي لزومها للعبد إذا أباها ورد ذلك السيد على ما سنورده إن شاء الله تعالى.
وأول مكاتب كان في الإسلام «سلمان الفارسي، كاتبه أهله على مائتي وَدِيَّة يحييها لهم، فقال له رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إذا غرستها فأذنني، فلما غرسها أذنه فدعا له فيها فلم تمت منها ودية واحدة». وقيل: إن أول مكاتب كان في الإسلام مكاتب يكنى أبا مؤمل قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أعينوا أبا مؤمل فأعتق فقضى كتابته وفضلت عنده فضلة فاستفتى رسول الله - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فقال: أنفقها في سبيل الله». وقد كان يقال: المكاتب مهيأ له الخير. وقيل: إن أول مكاتب كان في الإسلام مكاتب لعمر بن الخطاب يكنى أبا أمية، فلما أتاه بأول نجم من نجومه قال له عمر بن الخطاب: خذه فاستعن به في سائر نجومك، فقال له: أخر ذلك إلى آخر نجم، فقال له: أخشى ألا أدرك ذلك.
فصل
فأما قول الله عز وجل: {فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} [النور: 33] فإنه أمر والمراد به الندب والإرشاد لا الوجوب والإلزام على مذهب مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - وجمهور أهل العلم. ومن مذهب مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن الأوامر محمولة على الوجوب لأنه الأظهر