الولاء لملأ المسلمين. ففهم أصبغ ومن أجاز عتق السايبة من قول الرجل لعبده: أنت سايبة؛ أن مراده بذلك إعتاقه عن المسلمين وجعل ثواب العتق لهم لا لنفسه. وفهم ابن الماجشون ومن لم يجز أن مراده بذلك أن يجعل ثواب العتق لنفسه وولاءه للمسلمين. ولم يتحقق عند ابن القاسم مراده بذلك فلذلك كرهه ابتداء. فهذا توجيه الاختلاف في عتق السايبة عندي. ألا ترى أن الرجل لو قال لعبده: أنت حر عني وولاؤك للمسلمين لم يختلف أن ذلك جائز وأن الولاء يكون للمسلمين أعني في المذهب. وأما في غير المذهب فالشافعي وأبو حنيفة يقولان إن الرجل إذا قال لعبده أنت حر عن المسلمين إن الولاء له لا للمسلمين على أصلهما فيمن أعتق عبده عن غيره بغير إذنه أن الولاء له دون المعتق عنه. واستدلوا على ذلك بقول رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنما الولاء لمن أعتق». وإذا استدلوا على ذلك بهذا الظاهر فيلزمهم عليه عتق الوكيل، والعتق عن الغير بإذنه، وهذا بين لا خروج لهما عنه.
وإذا قلنا إن المفهوم من قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الولاء لمن أعتق» أي لمن حصل له ثواب العتق، فمن أسلم على يديه رجل فلا ولاء له عليه. هذا قولنا وقول فقهاء الأمصار. وقال إسحاق بن راهويه: له ولاؤه، واحتج بما روي «عن تميم الداري أنه قال للنبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: يا رسول الله، ما السنة فيمن أسلم على يديه رجل فقال: هو أحق به في محياه ومماته». وهذا محمول عندنا على أنه أحق به في نصرته والقيام بأموره وتولي دفنه إذا مات. بدليل قول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إنما الولاء لمن أعتق». ولأن الولاء إنما يكون بالإنعام، ولا إنعام لمن أسلم على يديه، وبالله التوفيق.