واختلف قول ابن القاسم هل يبدأ المال على الحج أو يتحاصان. فله في سماع عيسى أنهما يتحاصان. وفي المدنية لأن الوصية بالمال تبدأ. وقال ابن وهب: يبدأ الحج على العتق ولم يفرق بين الصرورة وغيره، والقياس على مذهب مالك أن الوصية بالعتق بغير عينه وبالمال يبدآن على الوصية بحجة الإسلام، لأنه لا يرى أن يحج أحد عن أحد. فلا قربة في ذلك عنده على أصل قوله.
وذهب ابن الماجشون إلى خلاف هذا الأصل فقال إن التدبير في الصحة يبدأ على العتق المبتل في المرض، والعتق المبتل في المرض يبدأ على العطية المبتلة في المرض، والعطية المبتلة في المرض تبدأ على التدبير في المرض، والتدبير في المرض يبدأ على الزكاة التي فرط فيها. والزكاة التي فرط فيها تبدأ على كفارة قتل الخطأ، وعتق كفارة قتل الخطأ يبدأ على عتق كفارة الظهار. قال: وكل ما نوعت لك من هذا فسواء كان في فور واحد أو فور بعد فور، إنما يبدأ الأوجب فالأوجب والأثبت فالأثبت على ما فسرت لك. والذي ذهب إليه ابن الماجشون أقوى في الحجة مما ذهب إليه ابن القاسم. وذلك أن للموصي أن يرجع فيما أوصى به من الزكاة ولا يجوز له أن يرجع عما بتله أو دبره في المرض. وما لا يجوز له الرجوع فيه. وأيضا فإنه يتهم على أنه أراد أن يرجع فيما بتله أو دبره فأوصى بزكاة ليست عليه. وحكى عبد الوهاب في المعونة أن الوصية بالعتق المعين تبدأ على الزكاة، وهو بعيد في القياس، ووجهه اتباع ظاهر الحديث. روي أن رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أمر أن تبدأ العتاقة على الوصايا، فعم ولم يخص». وحكى ابن زرب أن الشيوخ أجمعوا على أن الوصية بالحج تبدأ على كل شيء المدبر وغيره. وكان أبو عمر الإشبيلي - رَحِمَهُ اللَّهُ - يرى تبدئة ما أوصى به في فك أسير على جميع الوصايا المدبر في الصحة وغيره. ويحتج لذلك برواية أشهب عن مالك في كتاب الجهاد، حكى ذلك عنه ابن عتاب وقال إن الشيوخ أجمعوا على ذلك، وهو صحيح.