فالوصية بما يتقرب به إلى الله تعالى مما لا يجب عليه في حياته على مذهب مالك وجمهور أهل العلم، مرغب فيها ومندوب إليها وليست بواجبة، وهي تجوز للقرابة والأجنبيين إلا أن الوصية للقرابة أفضل منها للأجنبيين، فينبغي للموصي أن يبدأ به لأن الله بدأ بهم في غير ما آية من كتابه، فقال تعالى: {وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ} [النساء: 8] وَقَالَ {وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ} [البقرة: 177] وَقَالَ {وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ} [النساء: 1] أي الأرحام أن تصلوها ولا تقطعوها. «وقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لميمونة زوجته وقد أعتقت وليدة لها: " لو وصلت بها بعض أخوالك كان أعظم لأجرك». «وقال - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لأبي طلحة في الحائط الذي تصدق به: " إني أرى أن تجعله في الأقربين» فقسمه أبو طلحة في أقاربه وبني عمه.
فصل
وأما الوصية للوارث فلا تجوز إلا أن يجيزها الورثة. وقد حمل جماعة من أهل العلم قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا وصية لوارث» على عمومه فلم يجيزوا له الوصية وإن أجازها له الورثة، معناه إلا على سبيل الهبة منهم له التي تفتقر إلى الحيازة. والصحيح ما ذهب إليه مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأن المنع إنما تعلق بحق الورثة كالزائد على ثلث المال، فإذا أجازوه جاز، كالرضى بالعيب، وتسليم الشفعة وما أشبه ذلك. وقد روي أيضا في بعض الآثار «لا وصية لوارث إلا أن يجيزها الورثة».