لم يقسم يدل على أنه إنما أوجب الشفعة فيما ينقسم، لأن ما لا ينقسم لا يقال فيه يثبت فيه حكم كذا وكذا ما لم يقسم. ألا ترى أنه لا يصح أن يقال يثبت في الإنسان حكم كذا وكذا ما لم يقسم. وهذا أمر اختلف فيه أصحاب مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -. فمنهم من قال إن الشفعة لا تجب فيما لا ينقسم من الأصول كالشجرة والنخلة تكون بين الرجلين بأصلها على ما يدل عليه الحديث، وهو قول مطرف. ومنهم من قال إن الشفعة في ذلك واجبة لأنها من الأصول فحمل الباب فيها محملا واحدا وإن كانت لا تنقسم، لأنها من جنس ما ينقسم. وهو قول أشهب وابن الماجشون وأصبغ وأحد قولي ابن القاسم، لأن له في المدونة أن الرحى إذا بيعت بأصلها فإن في الأرض والبيت الذي وضعت فيه الرحى الشفعة بما ينوبها من الثمن، وروى عنه سحنون في العتبية أنه لا شفعة في مناصب الرحى لأنها لا تنقسم.

فصل

وعلى هذا يأتي اختلاف المتأخرين من أصحابنا في الضرر الذي من أجله جعلت الشفعة. فمن رأى أن الشفعة لا تكون إلا فيما ينقسم من الأصول لم يعلل بضرر الشركة لإمكان انفصالهما عنه بالقسمة، وقال إن العلة في ذلك ضرر القسمة، وهي تكون بوجوه منها أنه قد تنقص قيمتها إذا قسمت وإذ قد يحتاج كل واحد من المتقاسمين إلى استحداث مرافق في نصيبه فيلزمه في ذلك مؤونة. ومنها ما يلزم فيها من المؤن والأجر التي تختص بقسمة الأصول، إذ ليس كل واحد يحسن قسمتها، فلا بد في الأغلب من الحال أن يستأجر على قسمتها من يختص بمعرفة ذلك، وهي علة صحيحة يشهد لصحتها اطرادها وانعكاسها. ألا ترى أن العروض التي تنقسم بالكيل والوزن لا شفعة فيها إذ لا مؤنة في قسمتها. ومن رأى أن الشفعة تكون فيما ينقسم وفيما لا ينقسم قال إن العلة فيما لا ينقسم ضرر الشركة، إذ لا يقدر أحد من الشركاء أن يتصرف في المال المشترك بشيء من وجوه التصرف دون إذن شريكه. ولا يلزم على هذا إيجاب الشفعة فيما لا ينقسم من

طور بواسطة نورين ميديا © 2015