أن يلزمه ما اشتراه أو ينفرد به دونه، لأنه يقول له لو علمت أن المال الذي أخرجته قد تلف لم أشتر إلا لنفسي. وأما ما اشترى بعد أن علم بتلف ما أخرجه صاحبه فهو له خاصة.
والثاني أنها لا تنعقد بينهما حتى يكون ضمان ما تلف بينهما، قيل بخلط ما أخرجاه وهو مذهب سحنون، وقيل بأن يجمعا المال عند أحدهما وإن لم يخلطاه وهو مذهب ابن القاسم وروايته عن مالك في المدونة.
وهي من العقود الجائزة، لكل واحد من المتشاركين أن ينفصل عن شريكه متى ما أراد، ولا يلزمه البقاء معه على الشركة إلا على التكافي والاعتدال، لأنه إن فضل أحدهما صاحبه في قيمة ما يخرجه فإنما يسمح في ذلك رجاء بقائه معه على الشركة، وذلك لا يلزمه فيصير غررا. ألا ترى أن المزارعة تجوز وإن كان قيمة كراء ما يخرجه أحدهما أكثر مما يخرجه صاحبه على مذهب من يرى أن المزارعة تلزم بالعقد، وهو مذهب سحنون وابن الماجشون وقول ابن كنانة وابن القاسم في كتاب ابن سحنون. ولا يجوز ذلك على مذهب من يرى أن المزارعة لا تلزم بالعقد، ولكل واحد منهما أن ينفصل عن صاحبه- ما لم يبذرا، وهو قول ابن القاسم في المدونة ونص رواية أصبغ عنه في العتبية، ولا على مذهب من يرى أنها لا تلزم إلا بالشروع في العمل، وهو قول ابن كنانة في المبسوطة وبه جرت الفتوى عندنا بقرطبة. وهو على قياس رواية علي بن زياد عن مالك في أن الجاعل يلزمه الجعل بشروع المجعول له في العمل.
فصل
وإنما وقع هذا الاختلاف في المزارعة لأنها شركة وإجارة من كل واحد منهما مقتضية لصاحبتها بكليتها لا فضل فيها عنها. فاختلف أيهما يغلب. فمن غلب الشركة لم يرها بالعقد لازمة ولا أجازها إلا على التكافي، غير أنه جوز أن يتطول أحدهما على صاحبه بما لا قدر لكرائه. وفي التكافي قولان: أحدهما أنه لا يكون