{وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} [المزمل: 20] وذلك أن الرجل في الجاهلية كان يدفع إلى الرجل ماله على أن يخرج به إلى الشام وغيرها فيبتاع المتاع على هذا الشرط. وفي قول الصحابة لعمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في قصة ابنيه عبد الله وعبيد الله: لو جعلته قراضا، دليل على صحة هذه التسمية في اللغة، لأن الصحابة- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - هم أهل اللسان وأرباب البيان، وإذا كان يحتج في اللغة بقول امرئ القيس والنابغة فالحجة بقول هؤلاء أولى وأقوى.
ومما يحتج به في جواز القراض قول الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} [النساء: 29] وقوله: {وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ} [البقرة: 188] الآية لأن القراض تجارة من التجارات. والقراض هو مما كان في الجاهلية فأقر في الإسلام لأن الضرورة دعت إليه لحاجة الناس إلى التصرف في أموالهم وتنميتها بالتجارة فيها، وليس كل امرئ يقدر على ذلك بنفسه، فاضطر فيه إلى استنابة غيره، ولعله لا يجد من يعمل له فيه بإجارة لما جرت عادة الناس في ذلك على القراض، فرخص فيه لهذه الضرورة، واستخرج بسبب هذه العلة من الإجارة المجهولة على نحو ما رخص في المساقاة وبيع العرية والشركة في الطعام والتولية فيه، وصار لهذا الوجه سنة، فلا خلاف في جوازه بين الأمة في الجملة وإن اختلفوا في كثير من شروطه وأحكامه، سعمل به الصحابة والسلف، واتبعهم عليه الخلف.
فصل
وأول قراض كان في الإسلام قراض يعقوب مولى الحدقة مع عثمان بن عفان