فإذا قبلها، وجب عليه حفظها وصيانتها؛ فإن ضيعها أو تعدى أمر صاحبها فيها، فهو ضامن لها وله أن يستدفع ما أودع عند عياله الذين يأمنهم على ماله وهو تحت غلقه من زوج أو ولد أو أمة أو والدة ومن أشبههم، ويحتاط فيها مع هذا؛ ولا إشهاد عليه في دفعها إلى أحد من هؤلاء، لأن العادة والعرف ألا يشهد عليهم فيما يستدفعون إياه، والعرف كالشرط فكان ذلك كالذي يؤمر بدفع الوديعة إلى رجل فيشترط أنه يدفعها إليه بلا إشهاد.
فصل
وتدفع الوديعة فيما يدفع فيه مثلها وعلى ما جرت به عادة الناس في حرز أموالهم وحياطتها وحفظها، وقد سئل ابن وهب في سماع أصبغ عنه فيمن استودع وديعة في المسجد فجعلها على نعليه فذهبت، فقال: إنه لا ضمان عليه؛ قال ابن الماجشون ومطرف ولو نسيها في الموضع الذي دفعت إليه فيه وقام فتركها لضمن؛ وكذلك لو كانت في داره فأخذها وأدخلها في كمه يظنها دراهمه فسقطت لضمن، لأنها جناية؛ وقال أبو إسحاق التونسي: إن التضمين بالنسيان ينبغي أن يختلف فيه، لأنهم اختلفوا في الرجل يستودع الرجل الوديعة ثم يأتي هو وآخر فيدعيانها جميعا، وينسى هو من دفعها إليه منهما؛ فقيل إنهما يحلفان جميعا ويقتسمانها بينهما - ولا ضمان عليه، وقيل إنه يضمن لكل واحد منهما لنسيانه؛ وفي كتاب ابن شعبان ومن أودع وديعة فجعلها في جيب قميصه فضاعت ضمن، وقيل لا يضمن، والأول أحوط للحديث: فانجابت عن المدينة انجياب الثوب، أي خرجت عن المدينة كما خرج الجيب عن الثوب، وما خرج عن الحرز، فليس بحرز، فأما اختياره فصحيح، لأن الجيب ليس العادة أن تدفع فيه الودائع وجاعلها فيه معرض لتلفها، وأما احتجاجه بالحديث فليس بشيء.